وذهب الأخفش إلى مثلِ مذهب سيبويه في أنّها حروف إعراب، ويدلّ على الإعراب في أحد قولَيْه، إلَّا أنه لا يقول: إنّ فيها إعرابًا مَنْوِيًّا.
وذهب الجَرْمِيّ إلى أن الانقلاب فيها بمنزلة الإعراب. وفيه ضعفٌ؛ لأنّه يلزم أن تكون في حال الرفع غيرَ معربة, لأنّ الواو لامُ الكلمة في الأصل، ولم تنقلب عن غيرها.
وذهب المازني إلى أنّها معربة بالحركات، وأن الباء في "أبيك" حرفُ الإعراب، والخاء في "أخيك" حرف الإعراب، وكذلك الباقيةُ، وهذه الحروف، أعني "الواو"، و"الألف"، و"الياء"، إشباعٌ حدث عن الحركات؛ وإشباعُ حركات الإعراب حتّى ينشأ عنها هذه الحروفُ كثيرٌ، في الشعر وغيره، وتُؤيِّده عنده لغةُ من يُعْرِب بالحركات في حال الإضافة، نحوَ:"هذا أبُك"، و"رأيت أبَك"، و"مررت بأبِك"، وهو ضعيف أيضًا؛ لأنّ هذا الإشباع إنّما يكون في ضرورة الشعر، ولا داعِيَ يدعو إليه في حال الاختيار، ولا دليل عليه. مع أنّه يلزم منه أن يكون لنا اسمٌ ظاهرٌ معربٌ، على حرف واحد، وهو:"فُوك"، و"ذُو مالٍ"، وذلك معدوم.
وذهب الزِّياديّ إلى أنها أنفسَها إعرابٌ. وذلك فاسد أيضًا؛ لأنّه يلزم منه أن يكون اسم معرب على حرف واحد، وهو "فوك، وذو مال".
وكان عليّ بن عيسى الرَّبعيّ يذهب إلى أنها معربةٌ بالحركات، وأن هذه الحروف، أعني: الواو والألف والياء، لاماتٌ؛ فإذا قلت:"هذا أخوك"، فأصلُه:"أَخَوُكَ"، وإنما نُقلت الضمّة من الواو إلى الخاء، لئلاّ تنقلب ألفًا لتحرُّكها وانفتاحِ ما قبلها؛ وإذا قلت:"أخيك"، فأصله "أخَوِكَ"، فنقلت الكسرة من الواو إلى الخاء، ثمّ قلبتَها ياء لسكونها وانكسارِ ما قبلها. ولا ينفكّ من ضُعْف أيضًا, لأن نقل الحركة إنما يكون إلى حرف ساكن.
وذهب الكوفيون (١) إلى أنها معربة من مكانَيْن، بالحروف والحركاتِ التي قبلها؛ فإذا قلت:"هذا أخوك"، فهو مرفوع، والواو علامةُ الرفع، والضمّةُ التي قبلها؛ وإذا قلت:"رأيت أخاك"، فالألف علامة النصب، والفتحةُ التي قبلها؛ وإذا قلت:"مررت بأخيك"، فالياء علامة الجرّ، والكسرةُ التي قبلها. وهو قول ضعيف من قِبَلِ أن الإعراب أمارةٌ على المعنى، وذلك يحصل بعلامة واحدة، ولم يكن لنا حاجة إلى أكثر منها.
واعلم أن هذه الأسماء قد خُولف فيها القياس بحذف لاماتها في حال إفرادها، لأنّك إذا قلت:"أخٌ"، فأصله:"أخَوٌ"؛ "وأبٌ"، فأصله:"أبَوٌ"،
(١) انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين ص ١٧، ٣٣.