للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في معناهما، أو متضمّنًا معناهما. وقد أجاز قوم من العرب: "مررت برجل أفضلَ منه أبوه، وخيرِ منه عَمُّهُ". وذلك أنّه مأخوذ من الفعل، وإن بعُد شَبَهُه بأسماء الفاعلين. قال سيبويه (١): وهو قليل رديء لما ذكرناه. فأمّا قوله [من الطويل]:

أَكَرَّ وأحْمَى للحَقِيقَة منهمُ ... وأَضْرَبَ منا بالسُّوف القَوانِسَا

فالبيت للعبّاس بن مِرْداس، والشاهد فيه نصب "القوانس" بـ "أَضربَ". وحقيقتُه نصبُه بإضمار فعلٍ دلّ عليه "أضرب"، وتقديره: ضربنا بالسيوف، أو نضرب القوانسَ، ولا يجوز أن تَتناوله "أفعلُ" هذه التي للتفضيل والمبالغة لما ذكرناه.

ومثله قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (٢) فـ "حيث" ها هنا في موضع نَصْب بأنه مفعول به، لا ظرفٌ؛ لأنّه لا تخلو حَيثُ هذه من أن تكون مجرورة أو منصوبة، فلا يجوز أن تكون مجرورة, لأنّه يلزم أن يكون "أفعل" مضافًا إليه، و"أفعلُ" إنّما يضاف إلى ما هو بعضٌ له، وذلك هنا لا يجوز، وإذا لم يكن مجرورًا؛ كان منصوبًا بفعل مضمر دلّ عليه "أَعْلَمُ"، كأنّه قال: يعلم مكان رسالته، ولا يكون انتصابه على الظرف؛ لأن عِلْمَه سبحانه لا يتفاوت بتفاوُت الأمكنة. يصف قومه بالحِفاظ والشهامة، والحقيقةُ: ما يلزم الإنسان أن يحميه، ويقال: الحقيقة: الرايَةُ، ومنه قول عامر بن الطفَيْل [من الطويل]:

٩٣٤ - [لَقَدْ عَلِمَت عُليا هَوَازِنَ أنّني] ... أَنا الفارسُ الحامي حقيقةَ جَعْفَرِ


(١) انظر: الكتاب ٢/ ٢٩ - ٣٠.
(٢) الأنعام: ١٢٤.
٩٣٤ - التخريج: البيت لعامر بن الطفيل في ديوانه ص ٦١؛ ولسان العرب ١٠/ ٥٢ (حقق)؛ وتاج العروس ٢٥/ ١٧٢ (حقق).
اللغة والمعنى: هوازن: قبيلة عربية، وعليا هوازن: أشرافها وسادتها. الجعفر: النهر، والناقة الغزيرةُ اللبن، وأراد أنه كريم كالنهر.
علم سادة هوازن أنني الفارس الكريم المغوار الذي أحمي راياتهم.
الإعراب: "لقد": اللام: موطّئة لجواب القَسَم، "قد": حرف تحقيق. "علمت": فعل ماضٍ مبني على الفتح، والتاء: للتانيث. "عُلْيَا": فاعل مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف للتعذّر، وهو مضاف. "هوازن": مضاف إليه مجرور بالفتحة عوضًا عن الكسرة لأنّه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي. "أنني": حرف مشبّه بالفعل، والنون للوقاية، والياء: ضمير متصل مبني في محل نصب اسم "أن". "أنا": ضمير فصل مبني لا محلّ له من الإعراب. "الفارس": خبر "أن" مرفوع بالضمة، ويجوز إعراب "أنا" مبتدأ، و"الفارس" خبره، والجملة "أنا الفارس" خبرًا لـ "أن". "الحامي": خبر ثانٍ مرفوع بضمّة مقدّرة على الياء للثقل. "حقيقةَ": مفعول به منصوب لاسم الفاعل "الحامي". "جعفر": مضاف إليه مجرور بالكسرة.
وجملة "علمت" جواب القسم لا محل لها من الإعراب. والمصدر المؤول من "أنني الفارس": سدّت مسدّ مفعولي "علم".
والشاهد فيه قوله: "الحامى حقيقَةَ" حيث نصب "حقيقَةَ" باسم الفاعل، وجاء بها في معنى الراية، أو ما يجب على المرء حمايته.

<<  <  ج: ص:  >  >>