في حال التثنية، نحوِ:"اضْرِبَا"، و"اخرجا". ولو كانت علامة، لم تسقط بضمير التثنية كما لم تسقط في "قامَتَا"، و"ضَرَبتَا".
والنون لحقت علامة للرفع في هذه الأمثلة الخمسة، وجعلوا سقوطها علامةً للجزم. والنصبُ محمول عليه كما حُمل النصب على الجرّ في تثنية الأسماء وجمعها, لأن الجرّ والجزم نظيران، وهذا معنى قوله:"وجُعل في حال النصب كغير المتحرّك" يريد بغير المتحرّك: المجزومَ.
فإن قيل: ولِمَ كان إعراب هذه الأفعال بالحروف؟ قيل: المقتضي لإعراب هذه الأفعال قبل اتّصال هذه الضمائر بها موجودٌ قائمٌ، فوجب إعرابها لذلك، وكان حرف الإعراب من هذه الأفعال قد تَعذّر تحمّله حركاتِ الإعراب لاشتغاله بالحركات التي يقتضيها ما بعده. ألا ترى أن الألف في نحو "يضربان" لا يكون ما قبلها إلَّا مفتوحًا، فلا يمكن إعرابه؛ لأنّك لو أعربته، ومن جملة الإعراب الجزمُ الذي هو سكون، فكان يلتقي ساكنان، فكان يؤدّي إلى حذف الألف التي هي ضمير الفاعل، فكانت الألف أيضًا تنقلب واوًا في حال الرفع لانضمام ما قبلها، وكذلك الواو كان يلزم أن تسقط في الجزم. فلمّا نبا حرفُ الإعراب عن تحمُّل حركات الإعراب، ولم يمكن أن تكون في هذه الحروف التي هي ضمائر, لأنها أجنبيّة في الحقيقة من الفعل، فجُعل ما بعدها وهو النون، إذ كان الفاعل يتنزل منزلةَ الجزء من الفعل، وإذا كان ضميرًا متصلًا، اشتدّ اتّصالُه بالفعل وامتزاجُه به، فلم يُعْتَدّ به فاصلًا.
وإنّما خُصّت النون بذلك, لأنها أقرب الحروف إلى حروف المدّ واللين، وكانت مكسورة مع ضمير الاثنين، نحوَ:"يضربانِ"، و"تضربانِ"، وذلك لالتقاء الساكنين كما كان كذلك في ثنية الأسماء، لا فرق بينها.
وكانت مع الواو والياء في مثل "يضربونَ"، و"تضربينَ" مفتوحة؛ لثقل الكسرة بعد الياء والواو، كما كان كذلك في الجمع، نحو:"الزيدون"، و"العمرين". فإذا قلت:"يضربان"، و"تضربان"، و"يضربون" و"تضربون"، و"تضربين"، كان مرفوعًا لا محالةَ، ولا تحذف هذه النون إلَّا لجزمٍ ونصبٍ، ولا تثبت إلَّا لرفع. فأمّا ما أنشده أبو الحسن من قول الشاعر [من البسيط]:
٩٥٧ - لولا فوارسُ من نُعْمٍ وأُسْرَتُهُمْ ... يَوْمَ الصُّلَيْعاء لم يُوفُون بالجارِ
٩٥٧ - التخريج: البيت بلا نسبة في الجنى الداني ص ٢٦٦؛ وخزانة الأدب ١/ ٢٠٥، ٩/ ١٠٣، ١١/ ٤٣١؛ والدرر ٥/ ٦٨؛ وسر صناعة الإعراب ١/ ٤٤٨؛ وشرح الأشموني ٣/ ٥٧٦؛ وشرح شواهد المغني ٢/ ٦٧٤؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٣٧٦؛ ولسان العرب ٩/ ١٩٨ (صلف)، والمحتسب ٢/ ٤٢؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٤٤٦؛ وهمع الهوامع ٢/ ٥٦.