من حيث كانت مشتقّة من المصادر، التي هي ضربٌ من الأسماء، على الصحيح من المذهب، وأنها مفتقرة إلى الأسماء من حيث كانت لا تقوم بأنفسها، وكان في الأسماء ما هو فرعٌ على غيره، من حيث إنه ثانٍ له، ودخيلٌ عليه، فحصل بين هذا الضرب من الأسماء، وبين الأفعال، مشاركة ومشابهةٌ في الفَرْعيّة.
والشيءُ إذا أشبهَ الشيءَ أُعطي حُكْمًا من أحكامه، على حسب قوّة الشَّبَه. وليس كل شَبَهٍ بين شيئَيْن يُوجب لأحدهما حُكْمًا هو في الأصل للآخر، ولَكن الشَّبَه إذا قوِي، أوْجَبَ الحكمَ؛ وإذا ضعُف، لم يُوجب. فكلّما كان الشبهُ أخصَّ، كان أقوى؛ وكلّما كان أعمّ، كان أضعف. فالشبهُ الأعمُّ كشَبَهِ الفعل بالاسم من جهةِ أنّه يدل على معنًى؛ فهذا لا يُوجِب له حكمًا، لأنه عامٌ في كل اسم وفعلٍ. وليس كذلك الشبهُ من جهةِ أنّه ثانٍ باجتماع السببَيْن فيه, لأن هذا يختصّ نوعًا من الأسماء دون سائرها فهو خاصٌّ، مُقرَّبٌ الاسمَ من الفعل. فإذا اجتمع في الاسم عِلّتان فَرْعِيَّتان من العِلَل التسع، أو عِلّةٌ واحدةٌ مكرَّرةٌ، على ما سيوضَح فيما بعدُ، إن شاء الله تعالى؛ فإئه يُشْبِه الفعلَ من وجهَيْن، ويسري عليه ثقلُ الفعل، فحينئذ مُنع الصرف، فلم يدخله جرّ ولا تنوينٌ.
واختلفوا في منع الصرف ما هو؟ فقال قومٌ: هو عبارةٌ عن منعِ الاسم الجرَّ والتنوينَ دفعةً واحدةٌ، وليس أحَدهما تابعًا للآخر؛ إذ كان الفعلُ لا يدخله جرٌّ ولا تنوينٌ. وهو قولٌ بظاهرِ الحال.
وقال قوم ينتمون إلى التحقيق: إن الجرَّ في الأسماء نظيرُ الجزم في الأفعال، فلا يُمْنَع الذي لا ينصرف ما في الفعل نظيرُه، وإنما المحذوفُ منه عَلَمُ الخِفّة، وهو التنوين وحدَه، لثقلِ ما لا ينصرف، لمشابهةِ الفعل. ثمّ يتبع الجرّ التنوينَ في الزَّوال, لأنّ التنوين خاصّةٌ للاسم، والجرّ خاصةٌ له أيضًا، فتتبع الخاصّةُ الخاصّةَ. ويدل على ذلك أنّ المرفوع والمنصوب لا مَدْخَل للجرّ فيه، إنّما يذهب منه التنوينُ لا غيرُ.
قال أبو علي: لو جُرَّ الاسم الذي لا ينصرف، مع حذفِ تنوينه، فقيل:"مررت بأحْمَدِ وإبراهيم"؛ لأشبهَ المبنياتِ؛ نحوَ:"أَمْسِ" و"جَيْرِ". ثم لمّا مُنع الجرّ، ولا بد للجارّ من عَمَلٍ وتأثيرٍ، شارَكَ النصبَ في حركته لتواخِيهما؛ كما شارك نصبُ الفعل جزمَه في مثلِ "لم يَفْعَلَا"، و"لن يَفْعَلَا" وأخواتِهما.
على أنّ أبا الحسن وأبا العبّاس، رحمهما الله، ذهبا إلى أن غير المنصرف مبنيٌّ في حالِ فتحه إذا دخله الجارُّ. والمحققون على خلافِ ذلك. وهو رأي سيبويه. فعلى هذا القول إذا قلت:"نظرت إلى الرجل الأسْمَرِ وأسْمَرِكُم". فالاسمُ باقٍ على منع صرفه، وإن انْجَرَّ؛ لأنّ الشبه قائمٌ، وعَلَمَ الصرف، الذي هو التنوينُ، معدومٌ.
وعلى القول الأول يكون الاسم منصرفًا؛ لأنه لما دخله الألفُ واللام