للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: اعلم أن "حَتَّى" يرتفع الفعل بعدها، وهي التي تكون حرف ابتداء، فيرتفع الاسم بعدها على الابتداء والخبرِ من نحو قوله [من الطويل]:

[سَريْتُ بهمْ حَتى تكِلَّ مَطِيُّهُمْ] ... وحتّى الجِيادُ ما يُقَدْنَ بأرْسانِ (١)

فهي فيه بمنزلة "أمّا"، و"إنَّمَا"، و"إذَا" وليست الخافضةَ كما كانت إذا انتصب الفعل بعدها، فالرفعُ بعدها على وجهين يرجعان إلى وجه واحد، وإن اختلفت مواضعُها، وذلك أن يكون ما قبلها موجبًا لِما بعدها، ولكن ما يوجبه قد يجوز أن يكون عقيبًا له ومتصلاً به، وقد يجوز أن لا يكون متصلاً به، ولكن يكون مُوَطّأً مُسَهَّلاً بالفعل الأول، وذلك نحوُ: "سرت حتى أدخلُها"، أي: كان منّي سيرٌ فدخولٌ، فليس في هذا معنَى "كَيْ" ولا معنَى "إلى أنْ"، وإنّما أخبرتَ بأن هذا كذا وقع منك، فالسببُ والمسبَّبُ جميعًا قد مضيا.

والوجه الآخر أن يكون السير متقدمًا غير متصل بما تُخْبِر عنه، ثمّ يكون مؤديًا إلى هذا، كقولك: "مرض حتى لا يرجونه"، أي: هو الآن كذلك.

وقالوا: "شربت الإبل حتى يجيءُ البعير يجرّ بطنه"، أي: وُجد الشرب فيما مضى، وهو الآن يجرّ بطنه، فهو منقطع من الأول، ووجودُه إنما هو في الحال كما ذكرت لك بأنهما يرجعان إلى شيء واحد. فإن قيل: فكيف يرجعان إلى شيء واحد والفعل الواقع بعد "حتى" في الوجه الأول ماضٍ، وفي الثاني حالٌ؟ قيل: وإن كان ماضيًا متقضِّيًا، إلا أنك تحكي الحال التي كان عليها، فصار وإن كان قد تَقضّي في حكم الحال. وقولُنا: "إنهما يرجعان إلى شيء واحد" نعني به أن الفعل الذي قبل "حتى" موجِبٌ ما بعدها، والفعل الذي بعدها حالٌ أو في حكم الحال على ما بيّنّا، فإذا نصبتْ، كانت بمعنى الغاية، أو بمعنى "كَيْ"، وإذا رفعتْ كان ما قبلها موجبًا لِما بعدها.

فأمّا قوله تعالى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ} (٢)، فقد قُرىء برفع الفعل الذي هو "يقول" ونصبِه، فالنصب على وجهين؛ وهو أن يكون القول غاية للزلزال، والمعنى: وزلزلوا فإذَا الرسولُ في حالِ قول، والآخرُ أن تكون "حتّى" بمعنَى "كَيْ"، فتكون الزلزلة علّة للقول، كأنه لمّا آلَ إلى ذلك؛ صار كأنه علّة له. والرفع على وجهين أيضًا: أحدهما: أن يكون "الزلزال" اتصل بالقول بلا مُهلة بينهما, لأنّ القول إنما كان عن الزلزلة غيرَ منقطع، والآخرُ أن يكون "الزلزال" قد مضى، والقولُ واقع الآن، وقد انقطع "الزلزال".

* * *

قال صاحب الكتاب: وتقول: "كان سيري حتى أدخلها", بالنصب ليس إلا, فإن زدت


(١) تقدم بالرقم ٧٨٤.
(٢) البقرة: ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>