للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه, لأنّ حرف العطف يُشْرِك في العامل، والأوّلُ بلا عامل، فلم يمكن حمله عليه. ولا يصحّ إرادة الأمر في الثاني؛ لأنّ المتكلّم إذا أمر نفسَه؛ لم يكن ذلك إلَّا باللام, لأنّ أمر المتكلم نفسَه كأمر الغائب، لا يكون إلَّا باللام، ولو جاز أن يكون معطوفًا على الأمر بغير لام؛ لجاز أن تقوله مْبتدِئًا: "أزُرْكَ"، وتريد الأمر، وذلك ممّا لا يجوز إلَّا في ضرورة الشعر، كقوله [من الوافر]:

٩٧٦ - محمّدُ تَفدِ نفسَك كلُّ نفسٍ ... إذا ما خِفتَ من أمْرٍ تَبالَا

وإذا امتنع الجزم، نصب على تقدير "أن"، ويكون المراد الجمع، أي: لتجتمع الزيارتان: زيارةٌ منك، وزيارةٌ مني، فيصح المعنى واللفظ. ويجوز الرفع، فيكون المعنى: إن زيارتك علي واجبة على كلّ حال، فَلْتكن منك زيارة، ولم يُرَد معنى الجمع، وأمّا قوله [من الوافر]:

فقلت ادعي ... إلخ

فالبيت أنشده صاحب الكتاب، وعزاه إلى رَبيعةَ بن جُشَمَ، وقيل هو للأعشى، وقيل: للحُطَيئَة، والشاهد فيه أنه كالمسألة المتقدّمة: لما امتنع عطف الثاني إلى الأوّل لِما


٩٧٦ - التخريج: البيت لحسان أو لأبي طالب أو للأعشى في خزانة الأدب ٩/ ١١؛ وللأعشى أو لحسّان أو لمجهول في الدرر ٥/ ٦١؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ٣١٩، ٣٢١؛ والإنصاف ٢/ ٥٣٠؛ والجنى الداني ص ١١٣؛ ورصف المبانى ص ٢٥٦؛ وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٣٩١؛ وشرح الأشموني ٣/ ٥٧٥؛ وشرح شواهد المغني ١/ ٥٩٧؛ والكتاب ٣/ ٨؛ واللامات ص ٩٦؛ ومغني اللبيب ١/ ٢٢٤؛ والمقاصد النحويّة ٤/ ٤١٨؛ والمقتضب ٢/ ١٣٢؛ والمقرب ١/ ٢٧٢؛ وهمع الهوامع ٢/ ٥٥.
اللعْة: التبال: سوء العاقبة، وتبله الدهر: رماه بمصائبه.
المعنى: يخاطب الشاعرُ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: يا محمّد إن كل النفوس مستعدّة لتفدي نفسك الغالية إذا ما خفت أمرًا من الأمور.
الإعراب: "محمّد": منادى مبني على الضمّ في محل نصب على النداء. "تفد": فعل مضارع مجزوم بلام محذوفة بتقدير: "لتفدِ"، وعلامة جزمه حذف حرف العلّة. "نفسك": مفعول به منصوب، وهو مضاف، والكاف: ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. "كل": فاعل مرفوع، وهو مضاف. "نفس": مضاف إليه مجرور. "إذا": اسم مبني على السكون في محل نصب مفعول فيه ظرف زمان متعلق بالفعل "تفد". "ما": حرف زائد. "خفت": فعل ماض، والتاء: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. "من أمر": جار ومجرور متعلّقان بـ "خفت". "تبالاً": مفعول به منصوب. وجواب "إذا" محذوف تقديره: "إذا ما خفت من أمر تبالاً لتفد نفسك ... ".
وجملة "محمّد": لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "تفد نفسك": لا محل لها من الإعراب لأنها استئنافية. وجملة "خفت من أمر": في محلّ جرّ بالإضافة.
والشاهد فيه قوله: "تَفدِ" يريد: "لِتَفْدِ" فحذف لام الأمر، وهذا من أقبح الضرورات.

<<  <  ج: ص:  >  >>