للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد: ما لي.

وأمّا "أيٌّ"، فإنها اسم مبهم منكور، وهي بعضُ ما تُضاف إليه: إن أضفتها إلى الزمان، فهي زمان، وإن أضفتها إلى المكان، فهي مكان، إلى أي شيء أضفتَها، كانت منه.

ويُجازَى بها كأخواتها مضافةً ومفردة. تقول: "أيهم يأتِني آتِه"، و"أيّهم يُحْسِنْ إليّ أحسنْ إليه"، ترفع "أيًّا" بالابتداء وما بعدها من الشرط والجزاء الخبرُ, لأنّ "أيًّا" هنا الفاعل في المعنى, لأنّ المبتدأ إذا تقدّم؛ امتنع أن يكون فاعلاً صناعيًّا، وارتفع بالابتداء، وأُسْنِد فعل الشرط إلى ضميره. وتقول: "أيُّهم تضربْ أضربْ"، تنصب "أيًّا" بـ"تضرب"؛ لأنه واقع عليه في المعنى، والمفعولُ يجوز تقديمه على الفعل بخلاف الفاعل. والفعلُ في باب الجزاء ليس بصلة لِما قبله، كما أنّ ما بعد الاستفهام ليس بصلة لِما قبله، فجاز أن يتقدّم معموله. والفعل إذا كان مجزومًا يعمل عَمَلَه غيرَ مجزوم. قال الله تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (١)، فـ "أيًّا" منصوب بـ"تدعوا"، وكذلك حكمُ "مَن"، و"ما" في العمل.

وأما الظروف، فمنها "أنَّى"، وأصلها الاستفهام، تأتي تارة بمعنَى "مِن أيْنَ"، وتارة بمعنَى "كيف". قال الله تعالى: {أَنَّى لَكِ هَذَا} (٢)، أي: من أين لك هذا؟ وقال تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} (٣)، وقال: {أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} (٤)، وقال: {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (٥)، ويجازى بها، فيقال: "أنّى تكن أكن". قال الشاعر [من الطويل]:

فأصْبَحْتَ أنى تأتِها تَلْتَبِس بها ... كِلا مَرْكَبَيْها تحت رِجلَيْك شاجِرُ (٦)

جزمت "تأتي" بـ"أنّى"، وهو شرط، و"تلتبسْ" لأنه جزاء، والمعنى أنه يخاطب رجلاً قد وقع في مُعْضِلة وقضيّة صَعْبة، فقال: كيف أتيتَ هذه المعضلةَ من قدّام أو من خلف. وشاجرٌ: داخل تحت الرجْل، ويروى: "رَحْلك" بالحاء، ورِجلك بالجيم، وكل شيء دخل بين شيئين، ففرجهما، فقد شجرهما، ومركبَيْها يعني المعضلة.

وأمّا "أينَ"، فاسم من أسماء الأمكنة مبهمٌ يقع على الجهات الستّ، وكلّ مكان يُستفهم بها عنه، فيقال: "أين بيتُك"؟ "أين زيدٌ؟ " وتنقل إلى الجزاء، فيقال: "أين تكن أكن"، والمراد: إنْ تكن في مكانِ كذا أكن فيه، والأكثرُ في استعمالها أن تكون مضمومة


(١) الإسراء: ١١٠.
(٢) آل عمران: ٣٧.
(٣) آل عمران: ٤٠.
(٤) آل عمران: ٤٧.
(٥) المنافقون: ٤.
(٦) تقدم بالرقم ٦٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>