للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال الثاني: "خَلِّ زيدًا يمزَحُ" أي: مازحًا, لأنه لا يصلح أن يكون وصفًا لما قبله لكونه معرفة، والفعلُ نكرة، ومثله قوله تعالى: {ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} (١) فهو حالٌ من المفعول في "ذرهم" ولا يكون حالاً من المضمر في "خوضهم" لأنه مضاف، والحالُ لا يكون من المضاف إليه.

والثالث: أن يكون مقطوعًا عما قبله مستأنفًا، كقولك: "لا تذهب به تُغلبُ عليه". وذلك أن الجزم ها هنا على الجواب لا يصح لفساد المعنى، إذ يصير التقدير: إن لا تذهب به تُغلَب عليه، فيصير عدمُ الذهاب به سببَ الغَلَب عليه، وليس المعني عليه، فكان مستأنفًا، كأنك أخبرت أنه ممن يُغْلَب عليه على كل حال. وكذلك "قُمْ يَدعُوك"، أي: إنه يدعوك، فأمرتَه بالقيام، وأخبرته أنه يدعوه ألبتة، ولم ترد الجواب على أنه إن قام دعاه، وأمّا بيت الكتاب وهو [من البسيط]:

وقال رائدُهم أرسوا نُزاوِلُها ... فكُلُّ حَتْفِ امْرِىءٍ يُقْضَى بِمقْدارِ

البيت للأخطل، والشاهد فيه رفعُ "نزاولُها" على القطع والاستئناف، ولو أمكنه الجزمُ على الجواب، لجاز. يصف شَرْبًا ذهب رائدُهم في طلب الخمر، فظفر بها، فقال لهم: "أرسوا"، أي: انزلوا نشربها. نُزاوِلها، أي: نُخاتِل صاحبها عنها، فكل حتف امرئ يُقْضى بمقدار، أي: الموت لا بد منه، فلنحصل على لذة النفس قبل الموت.

قال: وممّا يحتمل الأمرَين: الحال والقطع: "ذَرْهُ يقول ذاك". يجوز الرفع في "يقول" على الحال، أي: ذره قائلاً، ويجوز أن يكون مستأنفًا، كأنه قال: ذَرهُ فإنّه ممْن يقول ذاك.

وأما قولهم: "مُرْهُ يَحْفِرها"، فيجوز فيه الجزم والرفع، فالجزم من وجه واحد، وهو الجواب، كأنه قال: "إن أمرتَ يحفرْها"، وأما الرفع فعلى ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون "يحفرها" على معنَى "فإنّه ممن يحفرها"، كما كان في "لا تدنُ من الأسد يأكلُك".

والثاني: أن يكون على الحال، كأنه قال: "مُرْه في حال حَفْرها"، ولو كان اسمًا لَظهر النصب فيه، فكنتَ تقول: "مُره حافرًا لها".

والثالث: أقلّها، وذلك أن تريد: "مُرْه أن يحفرها"، فتحذف "أنْ"، وترفع الفعل، لأنّ عامله لا يضمر، وقد أجاز بعض الكوفيين النصب على تقديرِ "أنْ"، وعليه قوله [من الطويل]:

ألا أيُّهذا الزاجري أحْضُرَ الوَغَى ... وأن أشْهَدَ اللَّذّاتِ هل أنت مُخلِدِي (٢)


(١) الأنعام: ٩١.
(٢) تقدم بالرقم ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>