للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} (١)، قُرىء: "فيغفِر" جزمًا ورفعًا (٢) على ما تقدّم، ولا فرقَ في ذلك بين الفاء، والواو، و"ثم"، من حروف العطف، حكم الجميع واحد في ذلك.

وأمّا قوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} (٣) فقد قُرىء "ويذرهم" جزمًا ورفعًا (٤)، فالجزم بالعطف على الجزاء وهو "فلا هادي له" لأنّ موضعه جزمٌ. والمراد بالموضع أنه لو كان الجواب فعلاً، لكان مجزومًا. والرفع على القطع والاستئناف على معنَى "وهو يذرُهم في طُغْيانهم"، فعَطف هنا بالواو كما عطف في الآية قبلها بالفاء.

وأما قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (٥) , وقوله {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} (٦) ففيهما شاهد على العطف بـ"ثُمَّ" كما عطف بالفاء إلا أنه جزم في الأُولى، ورفع في الثانية، وكل جائز صحيح، وحكمُ الجميع واحد، إلّا الفاءَ، فإنه قد أجاز بعضهم فيه النصبَ، وقرأ الزعْفراني: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} (٧). وقد استضعفه سيبويه (٨)، لأنه موجب، فصار من قبيلِ [من الوافر]:

٩٩٣ - [سَأَترُكُ مَنْزِلِي لِبَنِي تَميم] ... وألْحَقُ بالحِجاز فأسْترِيحَا


(١) البقرة: ٢٨٤.
(٢) قراءة الرفع هي المثبتة في النص المصحفي، وقراءة الجزم هي قراءة نافع والأعمش والكسائي واليزيدي وغيرهم.
انظر: البحر المحيط ٢/ ٣٦٠؛ وتفسير القرطبي ٣/ ٤٢٣؛ والكشاف ١/ ١٧١؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٣٧؛ ومعجم القراءات القرآنية ١/ ٢٢٩.
(٣) الأعراف: ١٨٦.
(٤) قراءة الرفع هي المثبتة في النص المصحفي، وقراءة الجزم هي قراءة الأعمش، والكسائي، وحمزة، وغيرهم.
انظر: الجر المحيط ٤/ ٤٣٣؛ وتفسير القرطبي ٧/ ٣٣٤؛ والكشاف ٢/ ١٠٦؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٧٣؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ٤٢٦.
(٥) محمَّد: ٣٨.
(٦) آل عمران: ١١١.
(٧) البقرة: ٢٨٤.
(٨) الكتاب ٣/ ٩٠. وفيه: "وبلغنا أن بعضهم قرأ: ... ويعذب" بالنصب.
٩٩٣ - التخريج: البيت للمغيرة بن حبناء في خزانة الأدب ٨/ ٥٢٢؛ والدرر ١/ ٢٤٠، ٤/ ٧٩؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٥١؛ وشرح شواهد المغني ص ٤٩٧؛ والمقاصد النحوية ٤/ ٣٩٠؛ وبلا نسبة في الدرر ٥/ ١٣٠؛ والرد على النحاة ص ١٢٥؛ ورصف المباني ص ٣٧٩؛ وشرح الأشموني ٣/ ٥٦٥؛ والكتاب ٣/ ٣٩، ٩٢؛ والمحتسب ١/ ١٩٧؛ ومغني اللبيب ١/ ١٧٥؛ والمقتضب ٢/ ٢٤؛ والمقرب ١/ ٢٦٣. =

<<  <  ج: ص:  >  >>