وتلك الهمزة تكون مكسورة لالتقاء الساكنين، إلّا أن يكون الثالث منه مضمومًا، فإنه يضم إتباعًا لضمته، وكراهيةَ الخروج من كسر إلى ضمّ، والحاجزُ بينهما ساكن غير حصين فهو كلًا حاجز. والكوفيون (١) يذهبون إلى أن همزة الوصل في الأمر تابعة لثالثِ المستقبل، إن كان مضمومًا ضممتها، وإن كان مكسورًا كسرتها، ولا يفعلون ذلك في المفتوحة لئلا يلتبس الأمر بإخبار المتكلم عن نفسه، نحوَ:"اعلم"، و"أعْلَمُ".
فإن قيل: ولِمَ حذفت حرف المضارعة من أمر الحاضر، قيل: لكثرته في كلامهم، فآثروا تخفيفَه. لأنّ الغرض من حرف المضارعة الدلالة على الخطاب، وحضورُ المأمور وحاضرُ الحال يدلان على أن المأمور هو المخاطب، ولأنه ربما التبس الأمر بالخبر لو تُرك حرف الخطاب على حاله.
فإن قيل: ولِمَ كان لفظ الأمر من المضارع دون غيره؟ قيل: لمّا كان زمنُ الأمر المستقبلَ؛ أُخذ من اللفظ الذي يدل عليه، وهو المضارع.
وقوله: والأصل في "تُكرِم": "تُؤَكُرِمُ" كـ"تُدَحرِجُ"، كأنه جواب دَخل مقدرّ، كأنه قيل: لِمَ قالوا في الأمر من "تُكْرِمُ"، و"تُخْرِجُ" ونظائرهما: "أكْرِمْ"، و"أخْرِجْ" بهمزة مفتوحة مقطوعة، وهلا جاؤوا فيه بهمزة الوصل لسكونِ ما بعد حرف المضارعة كما فعلوا في "تَضْرِبُ"، و"تَخرُجُ" حين سكن ما بعد حرف المضارعة؟ فالجواب أن الأصل "تُؤَكْرِمُ" بهمزة مفتوحة بعد حرف المضارعة، وذلك أن الماضي "أكرم"، و"أخرج" بهمزة التَعْدِية على وزانِ "دَحْرَجَ"، فالهمزة بإزاء الدال، فإذا رددتَه إلى المضارع، زدتَ في أوّله حرف المضارعة، وكان القياس "تُؤَكْرِمُ"، نحوَ:"تُدَحْرِجُ"؛ لأنّ حرف المضارعة إنما تزاد على لفظ الماضي من غير حذف شيء منه، إلّا أنهمِ حذفوا الهمزة من أوله كراهيةَ اجتماع همزتين في فعل المُخْبِر عن نفسه، نحوِ:"أأكرِمُ"، ثمّ حملوا عليه سائر المضارعة، ليجري البابُ على منهاج واحد في الحذف، ولا يختلف كما فعلوا ذلك في "يَعِدُ"، و"تَعِدُ"، و"نَعِدُ"، و"أعِدُ"، وإن لم يقع الواو بين ياء وكسرة، وإذا أمرت منه، حذفت حرف المضارعة. وإذا زال حرف المضارعة، عادت الهمزة، فقلت:"أَكْرِمْ"، و"أَخْرِجْ"، وذلك لأمرَيْن أحدهما. أن الموجِب لحذفها قد زال، وهو حرف المضارعة. والآخر أنه لما حذف حرف المضارعة، وكان ما بعده ساكنًا. احتيج إلى همزة الوصل، وكان رد ما حذف منه أولى فاعرفه.
(١) انظر المسألة السابعة بعد المئة في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين". ص ٧٣٧ - ٧٤١.