ثم المكان أقوى من الحال، لأنهما وإن كانت دلالةُ الفعل عليهما من خارج، إلّا أن الحال محمول على المكان، وفي تأويله، ألا ترى أنك إذا قلت:"جاء زيد ضاحكًا"، فمعناه: في هذه الحال؟ ولتقاربهما في المعنى، جاز عطف أحدهما على الآخر في قوله تعالى:{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ}(١)، فعطف "وبالليل" على الحال؛ لأنّ المعنى: في الصباح، وفي الليل.
وقوله:"وما ينصَب بالفعل من الملحَقات بهن"، يريد الملحق بهذه الأشياء الأربعة من نحو المفعول معه، والمفعول له. وإنما قلنا: إن المفعول له والمفعول معه محمولان على هذه الأشياء الأربعة، وليسا منها، وإن كان أكثرُ النحويين لا يفصلهما عن هذه الأربعة؛ لأنّ الفعل قد يخلو من المفعول له، والمفعولِ معه، بخلاف المصدر والزمان والمكان والحال. ألا ترى أن إنسانًا قد يتكلّم بكلام مُفيد، وربما فعل أفعالًا منتظمة، وهو نائمٌ أوساهٍ، فلم يكن له فيه غرضٌ، فلم يكن في فعله دلالة على مفعول له، وكذلك قد يفعل فعلًا لم يُشارِكه فيه غيرُه، فلم يكن فيه مفعول معه.
والمفعولُ له أقوى من المفعول معه؛ لأنّ الفعل أدل عليه، إذ الغالبُ من العاقل أن لا يفعل فعلاً إلّا لغرض، ما لم يكن ساهيًا أو ناسيًا، وليس كذلك المفعول معه؛ لأنه ليس من الغالب أن يكون للفاعل مشاركٌ في الفعل. ولِما ذكرنا من قوّة المفعول له تعدى إلى المفعول له تارة بحرف الجرّ، وتارة بغير حرف جرّ، ولم يتعد إلى المفعول معه إلّا بواسطة حرف لا غير، فاعرفه.