و"قُتل القاتل"، ولم تقل:"قَطع الأميرُ"، ولا "قَتل السلطانُ" ونحوَ ذلك، تُرك ذكره لجلالته. قال الله تعالى:{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}(١)، والمراد: قتل اللهُ الخراصِين.
وقد لا يذكر الفاعل لدَناءته، نحوَ قولك:"عُمل الكَنِيف"، و"كُنس السُّوق".
وقد يكون للجَهالة به. وقد يُتْرَك الفاعل إيجازًا واختصارًا، كأن يكون غرض المتكلم الإخبارَ عن المفعول لا غير، فتُرك الفاعل إيجازًا للاستغناء عنه.
فإذا حذف الفاعل، وجب رفعُ المفعول، وإقامتُه مقام الفاعل، وذلك من قبل أن الفعل لا يخلو من فاعل حقيقة، فإذا حذف فاعله من اللفظ؛ استُقبح أن يخلو من لفظ الفاعل، فلهذا وجب أن يُقام مقامه اسمٌ آخر مرفوع، ألا ترى أنهم قالوا:"مات زيدٌ"، و"سقط الحائطُ"، فرفعوا هذين الاسمين، وإن لم يكونا فاعلين في الحقيقة.
وشيءٌ آخرُ، وهو أن المفعول إذا لم يذكر مَن فعل، صار الفعل حديثًا عنه، كما كان حديثًا عن الفاعل، ألا ترى أنك إذا قلت:"ضُرب"، فالمحدّثُ عنه هو المفعول كما أنك إذا قلت:"قام زيد"، فالمحدّث عنه هو الفاعل لاكتفاء الفعل بهما عن غيرهما، فلمّا شارك هذا المفعول الفاعلَ في الحديث عنه، رُفع كما رفع. ولا يلزم إذا حُذف المفعول أن يُقام غيره مقامه, لأنه فضلة لا يُحْوِج انعقادُ الكلام إليه.
وأمّا تغيّره فبنَقْله من "فَعَلَ" إلى "فُعِلَ".
وجملةُ الأمر أن الفعل، إذا بُني لما لم يسمّ فاعله، فلا يخلو من أن يكون ماضيًا أو مضارعًا، فإن كان ماضيًا، ضُم أوّله، وكُسر ما قبل آخره ثلاثيًا كان أو زائدًا عليه، نحوَ قولك:"ضُرِبَ زيد"، و"دُحرِجَ الحجر"، و"استُخْرِجَ المال". وإن كان مضارعًا؛ ضُم أوله، وفتح ما قبل آخره، نحوَ قولك:"يُضْرَبُ زيد"، و"يُدَحْرَجُ الحجر"، و"يُسْتَخْرَجُ المال"، هذا إذا كان الفعل صحيحًا.
فإن كان معتلًا، نحوَ:"قالَ، و"باع"، فما كان من ذلك من ذوات الواو، فإن واوه تصير ياء في أعلى اللغات، فتقول: "قِيلَ القول"، و"صِيغَ الخاتَم"، وكان الأصل: "قُوِل"، بضم القاف وكسر الواو على قياس الصحيح، فأرادوا إعلاله حملًا على ما سُمي فاعله، فنقلوا كسرة الواو إلى القاف بعد إسكانها، ثم قلبوا الواو لسكونها وانكسارِ ما قبلها ياء، فصار اللفظ بها "قِيلَ" بكسرة خالصة وياء خالصة، فاستوى فيه ذوات الواو والياء.
وتقول في اللغة الثانية: "قِيلَ" بإشمام القاف شيئًا من الضمة حِرْصًا على بيان الأصل.