عمرًا منطلقًا. فإذا أظَنّه غيرُه، فقد ظنّ، فلذلك تقول:"أُرَى زيدًا منطلقًا" بمعنيَ "ظننتُ"، و"أيْنَ تُرَى بشرًا جالسًا"، والمراد: أين تظن؟ لأنه ظانّ إذا أظنه غيرُه، وأكثرُ ما يُستعمل ذلك مع المتكلم.
وقد يُجرون القَوْلَ مجرى الظن، فيُعْمِلونه عملَه، فإذا دخل على المبتدأ والخبر، نصبهما؛ لأنّ القول يدخل على جملة مُفيدة فيتصوّرها القلبُ، ويترجّح عنده، وذلك هو الظنّ والاعتقاد، والعبارةُ باللسان عنه هو القول، فأجروا العبارة على حسب المعبّر عنه. ألا ترى أنه يُقال:"هذا قولُ فلان"، و"مذهبُ فلان"، و"ما تقول في مسألةِ كذا؟ " ومعناه: ما ظنك؟ وما اعتقادُك؟ فمنهم من يعمله عملَ الظنّ مطلقًا، نحوَ:"قال زيدٌ عمرًا منطلقًا"، و"يقول زيدٌ عمرًا منطلقًا"، من غير اشتراطِ شيء، كما أن الظن كذلك، وهي لغة بني سُلَيْم.
ومنهم من يشترط أن يكون معه استفهامٌ، وأن يكون القول فعلاً للمخاطب، وأن لا يفصل بين أداة الاستفهام والفعل بغير الظرف. فأمّا اشتراط الاستفهام؛ فلأن بابه أن يقع محكيّا، ولا يدخل في باب الظنّ إلّا مع الاستفهام، لأنّ الغالب أن الإنسان لا يُسأل عن قوله، إذ ذاك ظاهرٌ، إنما يسأل عن ما يَجُنّه ويعتمَده لخَفائه.
وأما اشتراط الخطاب، فلأن الإنسان لا يُسأل عن ظنّ غيره، إنما يسأل عن ظنّ نفسه، فلذلك تقول:"متى قلتَ زيدًا منطلقًا؟ " و"أتقول زيدًا قائمًا؟ " ولا يجوز بياء الغيبة، فلا تقول:"متى يقول زيدًا قائمًا؟ " ولا يفصل بينه وبين أداة الاستفهام بغير الظرف، فلا يجوز:"أأنت تقول زيدًا قائمًا؟ " لأنك تفصل بالاسم المبتدأ بين أداة الاستفهام والفعل، فخرجتْ "تَقُولُ" عن الاستفهام، وعادت إلى حكمها من الحكاية، كما تقول:"أأنت زيدٌ مررتَ به؟ " فترفع، والاختيارُ النصب؛ لأنّ الاستفهام لم يقع على الفعل، فأما قوله [من الوافر]:
أجهّالًا تقول ... إلخ
فإن البيت للكُمَيْت، والشاهد فيه إعمالُ "تقول" عملَ "تظن"؛ لأنها بمعناها، ولم يرد قولَ اللسان، وإنما أراد اعتقاد القلب. ولم يفصل الاسمُ هنا؛ لأنه مفعول مؤخر في الحكم. والتقديرُ: أتقول بني لؤي جهالًا، أي: أتظنهم كذلك، وأراد ببني لؤي قُرَيْشًا؛ لأنها تنتمي إلى لؤيّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضْر بن كِنانة، والنضر أبو قريش.
وهذا البيت من قصيدة يفخَر بها على اليَمَن، ويذكر فضل مُضَرَ عليهم، فيقول: أتظنّ قريشًا جاهلين أو متجاهلين حين استعملوا اليَمانين على وِلايتهم، وآثروهم على