للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما من قرأ "بِضَنِين"، فإته أراد ببَخِيل. و"فَعِيلٌ" ها هنا بمعنى فاعِل، أي: باخل، لأنه لازم، لا يُننَى منه مفعولٌ، فلذلك لا يصحّ أن يقدر "ضنين" به.

ومن ذلك "علمت" إذا أُريد به معرفة ذات الاسم، ولم يكن عارفًا به قبلُ ولا بد فيه من شيء من إدراك الحاسّة، فتقول: "علمت زيدًا" أي: عرفته شخصَه، ولم تكن عرفته قبل، وليس بمنزلة قولك: "علمت زيدًا عالمًا" إذا أخبرت أنك علمته متصفًا بهذه الصفة، ولم تكن عرفته قبلُ بذلك، وإن كنت عارفًا بذاته مجرّدة من هذه الصفة.

* * *

قال صاحب الكتاب: ورأيته بمعن أبصرته، ووجدت الضالة إذا أصبتها، وكذلك أريت الشيء بمعنى بصرته, أو عرفته. ومنه قوله عز وجل: {أرنا مناسكنا} (١) , و"أتقول إن زيداً منطلق؟ " أي: أتفوه بذلك.

* * *

قال الشارح: رأيت" تجيء على ضربين: أحدهما بمعنى إدراك الحاسّة، تقول: "رأيت زيدًا أي: أبصرته، فتتعدّى إلى مفعول واحد. ولا يكون ذلك المفعول إلّا ممّا يُبْصَر. قال الله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} (٢)، فَـ "تَرى" ها هنا بمعنى: بَصَرِ العين، والهاء والميم به مفعولٌ، و"ينظرون إليك" في موضع الحال. والثاني أن تكون من رؤية القلب، فتتعدّى إلى مفعولَين. وله معنيان: الحِسبان والعلم، قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا} (٣)، أي: يحسبونه بعيدًا، ونراه قريبًا، أي: نعلمه، لأنّ القديم سبحانه عالم بالأشياء من غير شك ولا حسبان.

ومن ذلك "وجدت فلها أيضًا معنيان: أحدهما وجود القلب بمعنى العلم، فتتعدّى إلى مفعولَيْن كما يتعدّي العلم إليهما، فتقول: "وجدت زيدًا عالمًا أي: علمت ذلك منه. وتكون بمعنى الإصابة، فتكتفي بمفعول واحد، كقولك: "وجد زيدٌ ضالته أي: أصابها.

وأمّا "أُرِيتُ فقد تقدّم من قولنا أنها تستعمل على ضربين: أحدهما أن تكون من رؤية القلب، فتتعدّى إلى مفعولين، والثاني أن تكون من رؤية العين، فتكتفي بمفعول واحد، فعلى هذا الثاني إذا نقلتها بالهمزة، صارت تتعدّى إلى مفعولين، نحوَ قولك: "أرَيْتُ زيدًا عمرًا أي: جعلته يراه.

قال الله تعالى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} (٤)، فعدّاها إلى مفعولين. فإذا بنيتها لما لم يسمّ فاعله، فقلت: "أرِيتُ الشيءَ"، أقمت المفعول الأول مقام الفاعل فرفعته، وهو التاء،


(١) البقرة: ١٢٨.
(٢) الأعراف: ١٩٨.
(٣) المعارج: ٦ - ٧.
(٤) البقرة: ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>