للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائمًا الزيدان" و"كان قائمًا الزيدون"، فيجعل "قائمًا" خبرَ ذلك الضمير، وما بعده مرتفع به. والبصريون لا يجيزون أن يكون الخبر عنه إلّا جملةً من الجمل الخبرية.

وهذا القسم من أقسام "كانَ" يؤول إلى القسم الأوّل، وهي الناقصة من حيث كانت مفتقرة إلى اسم وخبر. وإنما أفردوها بالذكر وجعلوها قسمًا قائمًا بنفسه؛ لأنّ لها أحكامًا تنفرد بها وتُخالِف فيها الناقصةَ، وذلك أن اسمَ هذه لا يكون إلّا مضمرًا، وتلك يكون اسمها ظاهرًا ومضمرًا. والمضمرُ هنا لا يعود إلى مذكور، ومن تلك يعود إلى مذكور، ولا يُعْطَف على هذا الضمير، ولا يُؤكد ولا يُبْدَل منه بخلاف تلك. ولا يكون الخبر ها هنا إلّا جملة على المذهب، وتلك يكون خبرها جملة ومفردًا. والجملةُ في خبرِ هذه لا تفتقر إلى عائد يعود منها إلى المخبر عنه، وفي تلك يجب أن يكون فيها عائدٌ.

فلمّا خالفتها في هذه الأحكام، جُعلت قسمًا قائمًا بنفسه. وقد كان ابن دُرُسْتَوَيْهِ يذهب إلى أن هذا القسم من قبيل التامّة التي ليس لها خبرٌ، ولا تفتقر إلى مرفوع، قال: لأنّ هذه الجملة التي بعدها مفسرة لذلك المضمر، فإذا كانت مفسرة للاسم كانت إيّاه، فيكون حكمها كحكمه، ولا يصحّ أن تكون خبرًا مع كونها مفسّرة. والقول الأوّل، وهو المذهب؛ لأنّا لا نقول إنها مفسّرة على حدّ تفسيرِ "زيدًا ضربتُه". وإنما هي خبرٌ عن ذلك الضمير على حدّ الإخبار بالمفرد عن المفرد من حيث كانت الجملة هي ذلك الضميرَ في المعنى، لأنك إذا قلت: "كان زيدٌ قائمٌ فالمعنى: كان الحديثُ زيدٌ قائمٌ، فالحديثُ هو زيدٌ قائمٌ، كما أنك إذا قلت: "كان زيدٌ أخاك"، فالأخ هو زيدٌ. فلمّا كانت الجملة هي الضميرَ، فسرته وأوضحته لا أنها أُنيبت مُنابَه، فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: وقوله عز وجل: {لمن كان له قلب} (١) يتوجه على الأربعة, وقيل في قوله [من الطويل]:

١٠١٥ - بتيهاء قفرٍ والمطي كأنها ... قطا الحزن قد كانت فراخاً بيوضها


(١) ق: ٣٧.
١٠١٥ - التخريج: البيت لعمرو بن أحمر في ديوانه ص ١١٩؛ والحيوان ٥/ ٥٧٥؛ وخزانة الأدب ٩/ ٢٠١؛ ولسان العرب ٧/ ١٨٦ (عرض)، ١٣/ ٣٦٧ (كون)؛ وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٢٥؛ وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٣٧؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٦٨؛ والمعاني الكبير ١/ ٣١٣.
اللغة: التيهاء: الصحراء. القفر: الخالي من الأنس. القطا: نوع من الطير يشبه الحمام يعيش في الصحراء. الحزن: الأرض الغليظة. وقد أضاف القطا إلى الحزن لأنه يكون قليل الماء، والقطا أشدّ عطشًا، فإذا أراد الماء أسرع.
المعنى: أن المطيّ كانت في صحراء مقفرة تسير بخطى سريعة شبيهة بخطى القطا التي فارقت بيوضًا صارت فراخًا، فهي تسير بسرعة إلى فراخها. =

<<  <  ج: ص:  >  >>