للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأثير، ولهذا كان قولهم "انعدم" خطأ. وقالوا قلته فانقال؛ لأن القائل يعمل في تحريك لسانه.

* * *

قال الشارح: فأمّا "انفعل"، فهو بناء مطاوع لا يكون متعدّيًا ألبتّة. وأصله الثلاثة، ثمّ تدخل الزيادة عليه من أوّله، نحوَ: "قطعته، فانقطع" و"شرحته، فانشرح"، و"حسرته، فانحسر". وقالوا: "طردته، فذهب" ولم يقولوا: "انطرد"، استغنوا عنه بـ "ذهب". فأمّا "انطلق"، فإنه لم يستعمل فعله الذي هو مطاوعه، ومثله: "أزعَجْته، فانزعج"، و"أغلقت البابَ، فانغلق"، كأنهم طاوعوا به أفْعَلَ. ومنه قوله [من البسيط]:

١٠٦٢ - [لا خطوتي تَتَعاطَى غيرَ موضعِها] ... ولا يَدِي في حَمِيتِ السَّكْنِ تَنْدَخِلُ

جاء به على: "أدخلته، فاندخل"، وهذا شاذ. ولا يكون "فَعَلَ" الذي "انفعل" مطاوعٌ له إلَّا متعدّيًا، نحوَ: "كسرته، فانكسر"؛ فأمّا قول الشاعر [من الطويل]:

وكم منزلٍ لولايَ طِحْتَ كما هَوَى ... بأجْرامه من قُلّةِ النِّيقِ مُنْهَوِي (١)

فإنّه استعمله من "هَوَى، يَهوِي"، وهو غير متعدّ كما ترى ضرورة، مع أن هذا البيت من قصيدة وقع فيها اضطرابٌ. واعلم أنه لا يستعمل "انفعل" إلَّا حيث يكون علاجٌ وعمل، فلذلك استُضعف "انعدم الشيءُ"، وقالوا: "قلت الكلام فانقال"؛ لأن القول له تأثيرٌ في إعمال اللسان وتحريكه.


١٠٦٢ - التخريج: البيت للكميت بن زيد في ديوانه ٢/ ١٣؛ وأدب الكاتب ص ٤٥٦؛ ولسان لعرب ١١/ ٢٣٩ (دخل)؛ وبلا نسبة في الممتع في التصريف ١/ ١٩١؛ والمحتسب ١/ ٢٩٦؛ والمنصف ١/ ٧٢.
اللغة والمعنى: الحميت: الديد من كلّ شيء. السكن (بفتح السين وسكون الكاف): أهل الدار وسكانها. أراد أنه لا يتدخل في ما لا يعنيه، فلا يلج موضعًا لا يليق به، ولا يتدخل في خصوصيات أهل الدار.
الإعراب: (لا): حرف للنفي. "خطوتي": مبتدأ مرفوع بضمّة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلّم، وهو مضاف، والياء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. "تتعاطى": فعل مضارع مرفوع بضمّة مقدّرة على الألف للتعذر، وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره "هي". "غير": مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف. "موضعها": مضاف إليه مجرور بالكسرة، وهو مضاف، و"ها" ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. "ولا": الراو: للعطف، و"لا": زائدة لتوكيد النفي. "يدي": مبتدأ مرفوع بضمة مقدّرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه. "في حميت": جارّ ومجرور متعلّقان بـ "تندخل"."السكن": مضاف إليه مجرور بالكسرة. "تندخل": فعل مضارع مرفوع بالضمّة، وفاعله ضمير مستتر جوازًا تقديره "هي".
وجملة "لا خطوتي تتعاطى": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب، وعطف عليها جملة "ولا يدي تندخل". وجملة "تتعاطى": في محل رفع خبر، وكذلك جملة "تندخل".
والشاهد فيه قوله: "تندخل" حيث جاء بمطاوع "أدخل" وهذا شاذ.
(١) تقدم بالرقم ٤٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>