للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستعجله إذا طلب عمله وخفته وعجلته, و"مر مستعجلاً" أي مر طالباً ذلك من نفسه مكلفها إياه. ومنه "استخرجته", أي لم أزل أتلطف به وأطلب حتى خرج. وللتحول نحو استتيست الشاة (١)، واستنوق الجمل (٢)، واستحجر الطين، وإن البغاث بأرضنا يستنسر (٣). وللإصابة على صفة نحو استعظمته واستسمنته واستجدته أي أصبته عظيماً وسميناً وجيداً. وبمنزلة "فَعَلَ", نحو: "قرّ" و"استقرّ", و"علا قرنه واستعلاه".

* * *

قال الشارح: أمّا "استَفْعَل"، فهو على ضربين: متعدّ وغير متعدّ. فالمتعدّي قولهم: "استحقّه"، و"استقبحه". وغير المتعدي: "استقدم"، و"استأخر". ويكون فعلٌ منه متعدّيًا، وغير متعدّ. فالمتعدّي، نحو: "عَلِمَ"، و"استعلم"، و"فَهِمَ"، و"استفهم". وغير المتعدّي، نحو: "قَبُحَ"، و"استقبح"، و"حَسُنَ"، و"استحسن". وله معانٍ:

أحدها: الطلب والاستدعاء، كقولك: "استعطيت"، أي: طلبت العطية، و"استعتبته"، أي: طلبت إليه العُتبَى. ومنه "استفهمت"، و"استخبرت".

الثاني: أن يكون للإصابة، كقولك: "استجدته"، و"استكرمته"، أي: وجدته جيدًا وكريمًا.

وقد يكون بمعنى الانتقال والتحوّل من حال إلى حال، نحوَ قوله: "استَنوَقَ الجمل"، إذا صار على خُلُق الناقة، و"استَتْيَسَت الشاة"، إذا أشبهت التَّيْسَ.

ومنه: "استحجر الطين"، إذا تَحوّل إلى طَبْع الحجر في الصَّلابة. وقد يكون بمعنى "تَفعّل" لتكلّف الشيء وتعاطيه، نحوَ: "استعظم" بمعنى "تَعظّم"، و"استكبر" بمعنى "تكبّر"، كقولهم: "تشجّع"، و"تجلّد".

وربّما عاقَبَ "فَعَلَ"، قالوا: "قَرّ في المكان، واستقرّ"، و"عَلَا قِرْنَه، واستعلاه". قال الله تعالي: {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} (٤)، أي: يسخرون، و"يَسْتَرْؤُونَ"، أي: يَرْؤَوْنَ. والغالبُ على هذا البناء الطلب والإصابة، وما عدا ذَيْنك فإنه يُحْفَظَ حِفْظًا، ولا يُقاس عليه.


(١) أي: صارت كالتيس.
(٢) أي: صار كالناقة.
(٣) هذا القول من أمثال العرب، وقد ورد في جمهرة الأمثال ١/ ١٩٧؛ وزهر الأكم ١/ ١٠٢؛ والعقد الفريد ٣/ ٩١؛ وفصل المقال ص ١٢٩؛ وكتاب الأمثال ص ٩٣؛ ولسان العرب ٢/ ١١٩ (بغث)، ٥/ ٢٠٥ (نسر)، ١١/ ٣٣٧ (سعل)؛ ومجمع الأمثال ١/ ١٠؛ والمستقصى ١/ ٤٠٢.
والبغاث، بفتح الباء وكسرها وضمها: ما يُصاد من الطيور. واحدتها بغاثة. تستنسر: تصبح نسرًا، فلا يُقدر على صيدها. يضرب في قوم أعزّاء يتصل بهم الذليل فيعزّ بجوارهم.
(٤) الصافات: ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>