للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخالدِ" وهي مكسورة، وكان حقّها الفتح؛ لأن كلّ حرف مفرد يقع في أوّل الكلمة حقُّه أن يكون مفتوحًا، إذ الفتحة أخفُّ الحركات، نحوَ: واو العطف، وفائه، إلَّا أنهم كسروا باء الجرّ حملًا لها على لام الجرّ، لاجتماعهما في عمل الجرّ، ولزومِ كلّ واحد منهما الحرفيّةَ بخلافِ ما يكون حرفًا واسمًا، وكونِهما من حروف الذَّلاقة.

ويسمّونها مرّةً حرف إلصاق، ومرّةً حرف استعانةٍ، ومرّةً حرف إضافةٍ.

فأمّا الإلصاق، فنحوُ قولك: "أمسكتُ زيدًا" ويحتمل أن تكون باشرتَه نفسَه، ويحتمل أن تكون منعتَه من التصرّف من غير مباشرة له، فإذا قلت: "أمسكت بزيد"؛ فقد أعلمت أنك باشرتَه بنفسك.

وأمّا الاستعانة، فنحو قولك: "ضربته بالسيف"، و"كتبت بالقلم"، و"نجرت بالقدوم"، و"بتوفيق الله حججت". استعنت بهذه الأشياء على هذه الأفعال.

وأمّا الإضافة، فنحو قولك: "مررت يزيد"، أضفتَ مرورك إلى زيد بالباء، كما أنك إذا قلت: "عجبت من بكرٍ"، أضفتَ عَجَبَك منه إليه بـ "مِنْ".

واللازمُ لمعناها الإلصاقُ، وهو تعليق الشيء بالشيء، فإذا قلت: "مررت يزيد"، فقد علقتَ المرور به، فـ "زيدٌ" متعلَّقُ المرورِ. وذلك على ثلاثة أوجه: اختصاصِ الشيء بالشيء، وعملِ الشيء بالشيء، واتصالِ الشيء بالشيء. فتعليقُ الذكر بالمذكور الغائب تعليقُ اختصاص، وتعليق الفعل بالقدرة أو الآلة تعليق عمل وُصل إليه بذلك الشيء. فعلى هذا يجري أمرُ الباب. فمن ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} (١)، فالمعنى: من يُرِدْ أمرًا من الأمور بإلحاد، أي: بمَيْل عنه، ثمّ قال: بظلم، فبَيَّنَ أن ذلك الإلحاد الذي قد يكون بظلم، وغير ظلم إذا وقع، فهذا حكمّه. فالباء الأُولى على تقدير عمل الشيء بالشيء، والثانية على تقدير تخصيص الشيء بالشيء. وإنّما قلنا: إن الأُولى على تقدير عمل الشيء بالشيء من أجل أنَّ الإلحاد فيه هو العمل الذي دل على النهي عنه، إلَّا أنه أُخْرِج مخرجَ ما أُضيف إليه ممّا هو غيره من أجل أنه على خلاف معناه.

وأمّا كونها بمعنى المصاحبة، ففي قولهم: "خرج بعشيرته"، و"دخل عليه بثياب السفر"، و"اشترى الفرس بسرجه ولجامه والتقدير: خرج وعشيرتُه معه. فهي جملةٌ من مبتدأ وخبر في موضع الحال، والمعنى: مُصاحِبًا عشيرتَه. فلمّا كان المعنى يعود إلى ذلك؛ لقّبوا الباء بالمصاحبة، وكذلك "دخل بثياب السفر"، و"اشترى الفرس بسرجه ولجامه"، أي: وثياب السفر عليه، والسرجُ واللجامُ معه. ومن ذلك قوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (٢) في قول المحقّقين من أصحابنا، وتأويلُه: تُنْبِت ما تُنْبِته، والدهنُ فيه، فهو


(١) الحج: ٢٥.
(٢) المؤمنون:٢٠. وهي قراءة، وقد تقدّم تخريجها.

<<  <  ج: ص:  >  >>