للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فـ "هرقته", و"من معشر" صفتان, لـ "رفد", و"أسرى", والفعل محذوف.

* * *

قال الشارح: اعلم أنّهم قد يُدْخِلون "رُبَّ" على المضمر. وإذا فعلوا ذلك؛ جاؤوا بعده بنكرة منصوبة تُفسِّر ذلك المضمرَ، فيقولون: "رُبَّهُ رجلًا"، فالمضمر هنا يُشبَّه بالمضمر في "نِعْمَ"، و"بِئْسَ"، نحوِ قولك: "نعم رجلًا زيدٌ"، و"بِئْسَ غلامًا عبدُ الله"، إلَّا أن الفرق بينهما أنّ المضمر في "نعم" مرفوع لا يظهر؛ لأنه فاعلٌ، والفاعل المضمر إذا كان واحدًا يستكنّ في الفعل، ولا تظهر له صورة، والمضمر مع "رُبَّ" مجرورٌ، وتظهر صورته. وهذا إنما يفعلونه عند إرادة تعظيم الأمر وتفخيمه، فيكنون عن الاسم قبل جَرْي ذكره، ثمّ يفسّرونه بظاهرٍ بعد البيان. وليس ذلك بمطّردٍ في الكلام، وإنما يخصّون به بعضًا دون بعض.

وهذه الهاءُ على لفظ واحد، وإن وليها المذكّر، أو المؤنّث، أو اثنان، أو جماعةٌ، فهي موحّدةٌ على كل حال. ويسمّي الكوفيون هذا الضمير المجهول؛ لكونه لا يعود إلى مذكور قبله، وقد أطلق عليه صاحب هذا الكتاب التنكيرَ. وغيرُه لا يرى ذلك من حيث كان مضمرًا، والمضمرات لا تنفكّ من التعريف، ولذلك لا يوصَف كما لا يوصف سائر المضمرات، وإنما هو في حكم المنكور، إذ كان المعنى يؤول إلى النكرة، وليس بمضمرِ مذكورٍ تقصده، ولذلك ساغ دخولُ "رُبَّ" عليه، و"رُبَّ" مختصّة بالنكرات.

وإنما وجب لـ "رُبَّ" أن يتقدّم الفعلَ العاملَ، وحقّها أن تتأخّر عنه من حيث كانت حرف جرّ، وحقُّ حرف الجرّ أن يكون بعد الفعل؛ لأنه إنما جيء به لإيصال الفعل إلى المجرور به، نحو: "مررت بزيد"، و"دخلت إلى عمرو"، ولكن، لمّا كان معناها التقليل؛ كانت لا تعمل إلَّا في نكرة، وصارت مقابِلةَ "كَمِ" الخبريّةِ. و"كم" الخبريّةُ يجب تصدّرُها لشِرْكتها "كم" الاستفهاميّةَ. وقيل: إنها لمّا دخلت على مفرد


= الإعراب: "رب": حرف جر شبيه بالزائد. "رفد": اسم مجرور لفظًا مرفوع محلاً على أنه مبتدأ، وخبره محذوف. "هرقته": فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرّك بالتاء المتحركة، والتاء: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. "ذلك": "ذا": اسم إشارة مبني في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلق بالفعل "هرقته"، واللام: للبعد، والكاف: للخطاب."اليوم": بدل منصوب بالفتحة الظاهرة. "وأسرى": الواو: حرف عطف، و"أسرى": اسم معطوف على "رفد". "من معشر": جار ومجرور متعلقان بصفة محذوفة لـ "أسرى". "أقتال": صفة "معشر" مجرورة بالكسرة الظاهرة.
وجملة "رب رفد هرقته": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هرقته": في محل رفع صفة "رفد" على المحل.
والشاهد فيه: حذف جواب "ربّ". والتقدير: ربّ رفدٍ مهراقٍ ضممته إلى أسرى، وربّ أسرى من معشر أقيال ملكتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>