قال الشارح: وأمّا "كَأنَّ"، فحرفٌ معناه التشبيه، وهو مركّبٌ من كاف التشبيه و"إنَّ". فأصلُ قولك:"كأنّ زيدًا الأسدُ": إنَّ زيدًا كالأسد. فالكاف هنا تشبيةٌ صريحٌ، وهي في موضع الخبر تتعلّق بمحذوف تقديره: إنَّ زيدًا كائن كالأسد. ثمّ إنّهم أرادوا الاهتمام بالتشبيه الذي عقدوا عليه الجملةَ، فأزالوا الكاف من وسط الجملة، وقدّموها إلى أوّلها لإفراط عنايتهم بالتشبيه. فلمّا أدخلوا على "إنَّ"، وجب فتحُها؛ لأن المكسورة لا يقع عليها حروفُ الجرّ، ولا تكون إلَّا أوّلًا. وبقي معنى التشبيه الذي كان فيها متأخّرةً، فصار اللفظ:"كأنّ زيدًا أسدٌ"، إلَّا أن الكاف لا تتعلّق الآنَ بفعل ولا معنى فعل، لأنّها أُزيلت عن الموضع الذي كان يمكن أن تتعلّق فيه بمحذوف، وقُدّمت إلى أوّل الجملة، فزال ما كان لها من التعلّق بخبرِ "إنَّ" المحذوفِ، وليست الكاف هنا زائدة على حدّ زيادتها في "كَذَا"، و"كأيِّ".
فأمّا قوله:"رُكّبت الكاف مع "إنَّ" كما ركّبت مع "ذَا" و"أيٍّ""، فإنّ المراد الامتزاج وصَيْرورتهما كالشيء الواحد، لا أنّها زائدةٌ على حدّ زيادتها فيهما. ألا ترى أن التشبيه في "كأنّ" باقٍ، ولا معنى للتشبيه في "كذا"، و"كأيّ"؟
فإن قيل: فإذا لم تكن الكاف زائدة، فهل لها عملٌ هنا؟ فالجواب أنّ القياس أن تكون "أنَّ" من "كَأنَّ" في موضع جرّ بالكاف.
فإن قيل: الكاف هنا ليست متعلّقة بفعل؛ قيل: لا يمنع ذلك عملَها، ألا ترى إلى قوله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(١)، فإنّ الكاف غير متعلّقة بشيء، وهي مع ذلك جارّةٌ. وكذلك "هل من أحدٍ عندك" فـ "مِنْ" جارّةٌ، وليست متعلّقة بفعل، ولا غيرِه. وكذلك قولك:"بحَسْبك زيدٌ"، الباء خافضةٌ وإن لم تتعلّق بفعل. وُيؤيِّد عندك أنها في موضعِ مجرور فتحُها عند دخول الكاف عليها، كما تُفْتَح مع غيرها من العوامل الخافضة وغيرِها من نحوِ:"عجبتُ من أنّك منطلقٌ"، و"أعطيتُك لأنك مستحِقٌّ"، و"أظنُّ أنّك منطلقٌ"، و"بَلَغَني أنّك كريمٌ"، فكما فُتحت "أنَّ" لوقوعها في هذه الأماكن بعد عاملٍ قبلها، كذلك فُتحت بعد الكاف؛ لأنها عاملةٌ.
فإن قيل: فما الفرق بين الأصل والفرع في "كَأنَّ"؟ قيل: التشبيه في الفرع أقعدُ منه في الأصل. وذلك إذا قلت:"زيدٌ كالأسد"، فقد بنيت كلامك على اليقين، ثمّ طَرأ التشبيهُ بعدُ، فَسَرَى من الآخِر إلى الأوّل. وليس كذلك في الفرع الذي هو قولك:"كأنّ زيدًا أسدٌ"؛ لأنّك بنيتَ كلامك من أوّله على التشبيه، فاعرفه.