للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد خالَفَه الكوفيون، وسمّوا الضمّة اللازمة: رفعًا، والفتحةَ والكسرةَ: نصبًا، وجرًّا. والصوابُ مذهبُ سيبويه، لما فيه من الفائدة.

واعلم أن إعرابَ الأسماء من هذه الأربعة الرفعُ والنصبُ والجرُّ. ولا يدخل الاسمَ جزمٌ. وإنمّا لم تُجْزَم الأسماء لتمكُّنها, ولزوم الحركة والتنوين لها، فلو جُزمت، لأبطل الجازمُ الحركة؛ وإذا زالت الحركةُ، زال بزوالها التنوين, لأن التنوين تابعٌ للحركة؛ ولو زالا اختلّت الكلمةُ بذهاب شيئين: أحدهما: الحركة، وهو دليلُ كونها فاعلة أو مفعولة أو مضافًا إليها؛ والآخرُ: التنوين، الذي هو دليلُ كونه منصرفًا.

فإن قيل: فهلاّ أذهب الجازمُ الحركةَ وحدَها. قيل: لو حُذفت الحركة للجازم، لزم تحريكُ حرف الإعراب لسكونه وسكونِ التنوين بعده. ولو فعلنا ذلك لعاد لفظُ المجزوم، إلى لفظ غير المجزوم فلم يصح الجزمُ فيه, لأنّه لا يسلَم سكونه.

وُيحْكَى عن المازني أنه قال: لم يدخل الجزمُ الأسماءَ لأنّه بعواملَ يمتنع دخولُها على الأسماء من جهة المعنى، نحو: "لَمْ"، و"لَمَّا"، و"إن" المُجازِيَة، وما جرى مجراها.

* * *

وقوله:"وكل واحد منها عَلَم على معنى"؛ يريد: الرفع والنصب والجرّ؛ كلُّ واحد منها علمٌ على معنّى من معاني الاسم، التي هي الفاعليّةُ، والمفعوليةُ، والإضافةُ. ولولا إرادةُ جَعْلِ كلّ واحد منها على معنى من هذه المعاني، لم تكن حاجةٌ إلى كثرتها وتعدُّدِها.

* * *

ثم قال: "فالرفع علمُ الفاعلية"، فقدّم الكلام على الفاعل من بين المرفوعات، لا سِيَّما المبتدأ المُشارِكِه (١) في الإخبار عنه؛ وذلك لأنّ الفاعل يُظْهِر برفعه فائدةَ دخولِ الإعراب الكلامَ، من حيث كان تكلُّفُ زيادةِ الإعراب إنّما احتُمل للفرق بين المعاني، التي لولاها وقع لَبْسٌ. فالرفعُ إنما هو للفرق بين الفاعل والمفعول اللذين يجوز أن يكون كل واحد منهما فاعلاً ومفعولًا؛ ورفعُ المبتدأ والخبر لم يكن لأمرِ يُخْشَى التباسه، بل لضرب من الاستحسان، والتشبيه بالفاعل، من حيث كان كل واحد منهما مُخْبَرًا عنه؛ وافتقارُ المبتدأ إلى الخبر الذي بعده، كافتقار الفاعل إلى الخبر الذي قبله، ولذلك رُفع المبتدأ والخبر.

وذهب سيبويه (٢)، وابن السرّاج، إلى أنّ المبتدأ والخبر هما الأوّل، والأصل في


(١) في الطبعتين: "لمشاركة"، والتصحيح عن جدول التصحيحات الملحق بطبعة ليبزغ ص ٩٠٥.
(٢) الكتاب ١/ ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>