للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنّه استعمل "أوْ" ههنا بمعنى الواو، وهو من الشاذّ الذي لا يُقاس عليه. والذي أنّسه بذلك أنّه رآها في الإباحة، نحوِ: "جالِسِ الحسنَ أو ابنَ سِيرِينَ"، تُبيح مجالستَهما، فتَدرّج إلى استعمالها في مواضع الواو البتّة.

وتقول: "جمعت زيدًا وعمرًا"، و"المالُ بين زيد وعمرو"، ولا يجوز بالفاء. وإذا ثبت أنها تستعمل في مواضع لا يكون فيها إلَّا الجمع المطلق؛ امتنع استعمالها مُرتِّبةً؛ لأن ذلك يُودِي بالاشتراك، وهو على خلاف الأصل.

وممّا يدلّ أيضًا على أنها للجمع المطلق من غير ترتيب قولُك: "جاءني زيدٌ وعمرٌو بعده"، فلو كانت للترتيب، لكان قولك: "بعده" تكريرًا، ولكان إذا قلت: "جاءني زيدٌ اليومَ وعمرٌو أمسِ" متناقِضًا؛ لأن الواو قد دلّت على خلافِ ما دلّت عليه "أمس" من قِبَلِ أن الواو ترتيب الثاني بعد الأول، و"أمس" تدل على تقدّمه. ومن ذلك قوله تعالى في البقرة: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ} (١)، وفي الأعراف: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} (٢)، والقصّةُ واحدة. ومن ذلك قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} (٣)، وشرعُها يُقدِّم الركوعَ على السجود. ومن ذلك قول أبي النَّجْم [من الرجز]:

١١٣٠ - تُعِلُّهُ من جانبٍ وتُنْهِلُهْ


= لا فرق عندي أن تعلن عليّ حربًا، أو تخضع لي وتمكّنني من قتل مماثلٍ لقتيلي، وقد يقبل الذليل المسيّر أن يظلم، ولست أنا كذلك.
الإعراب: "فسيان": الفاء: حسب ما قبلها، "سيان": خبر مقدم مرفوع بالألف لأنه مثنّى "حرب": مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمّة. "أو": حرف عطف. "تبوء": فعل مضارع مرفوع بالضمّة، وفاعله ضمير مستتر وجوبًا تقديره: أنت "بمثله": جارّ ومجرور متعلقان بـ "تبوء"، والهاء: ضمير متصل مبني في محلّ جرّ مضاف إليه. "وقد": الواو: حرف استئناف، "قد": حرف تقليل. "يقبل": فعل مضارع مرفوع بالضمّة. "الضيم": مفعول به منصوب بالفتحة. "الذليل": فاعل مرفوع بالضمّة. "المسير": نعت مرفوع بالضمّة.
وجملة "فسيان حرب": بحسب الفاء. وجملة "تبوء": في محلّ رفع اسم معطوف على "حرب".
وجملة "قد يقبل الضيم الذليل": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "فسيان حرب أو تبوء" حيث استخدم "أو" بمعنى الواو، وهو من الشذوذ الذي لا يقاس عليه كما ذكر.
(١) البقرة: ٥٨.
(٢) الأعراف: ١٦١.
(٣) آل عمران: ٤٣.
١١٣٠ - التخريج: لم أقع على هذا البيت في ديوان أبي النجم الذي يتضمَّن قصيدةً طويلة على هذا الرويّ (ص ١٨٣ - ٢٠٠).
شرح المفردات: تعلّه: تجعله يشرب مرة ثانية. "تنهله": تجعله يشرب أوّل مرة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>