للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتَعلّقوا أيضًا بما جاء في الأثَر أن سُحَيْمًا عبد بني الحَسْحاس أنشد عند عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه [من الطويل]:

عُمَيْرَةَ وَدّعْ إنْ تَجَهزْتَ غاديَا ... كَفَى الشيْبُ والإِسلامُ للمَرْء ناهِيَا (١)

فقال عمر: لو كنت قدمت "الإِسلام" على "الشيب" لأجزتُك. فدل إنكاره على أن التأخير في اللفظ يدل على التأخير في المرتبة. وما ذكروه لا دلالةَ فيه قاطعةً. أمّا الآية فنقول إن إنكار الجماعة معارَضٌ بأمر ابن عباس، فإنّه، مع فضله، أمر بتقديم العمرة، ولو كانت الواو تُرتب، لَما خالف. وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} (٢)، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يأمر بتقديم "الصفا"؛ لأن اللفظ كان يقتضي ذلك، وإنما بين عليه الصلاة والسلام المرادَ لِما في الواو من الإجمال. ويدلّ على ذلك سُؤال الجماعة: بِمَ نبدأ؟ ولو كانت الواو لترتيب، لَفهموا ذلك من غير سؤال؛ لأنهم كانوا عربًا فُصحاءَ، وبلغَتهم نُزّل القرآن، فدل أنها للجمع من غير ترتيب. وأما رد النبي، - صلى الله عليه وسلم -، على الخطيب، فما كان إلَّا لأن فيه تَرْكَ الأدَب بترك إفراد اسم الله بالذكر. وكذلك إنكار عمر رضي الله عنه لتَرْك تقديم الإِسلام في الذكر، وإن كان لا فرق بينهما.

واعلم أن البغداديين قد أجازوا في الواو أن تكون زائدة، واحتخوا بأنها قد جاءت في مواضع كذلك، منها قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} (٣). قالوا: معناه: ناديناه أن يا إبراهيم، والواو زائدةٌ. ومنها قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} (٤)، تقديره: حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابُها، واحتجّوا أيضًا بقول الشاعر [من الكامل]:

١١٣٣ - حَتى إذا امْتَلأتْ بطُونُكُمُ ... ورأيتُمُ أبنَاءَكُمْ شبوا

وقَلَبْتُمُ ظَهْرَ المِجَن لَنَا ... إن الغَدُورَ الفاحش الخبُّ


(١) تقدم بالرقم ٣٣٩.
(٢) البقرة: ١٥٨.
(٣) الصافات: ١٠٣.
(٤) الزمر: ٧٣.
١١٣٣ - التخريج: البيتان للأسود بن يعفر في ديوانه ص ١٩؛ وبلا نسبة في الأزهية ص ٢٣٦؛ وتذكرة النحاة ص ٤٥؛ والجنى الداني ص ١٦٥؛ وخزانة الأدب ١١/ ٤٤، ٤٥؛ ورصف المباني ص ٤٢٥؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٦٤٦، ٦٤٧؛ وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٩؛ ولسان العرب ١١/ ٥٦٨ (قمل)، ١٥/ ٤٨٩ (وا)؛ ومجالس ثعلب ص ٤٧؛ والمعاني الكبير ص ٥٣٣؛ والمقتضب ٢/ ٨١.
اللغة: امتلأت بُطونُكُم: شبعت وضخمت، وقيل: كثرت قبائلكم.
المعنى: ولما كثرت قبائلكم وانتشرتم في الأصقاع، ورأيتم أبناءكم قد كبروا وترعرعوا، وقلبتم ظهر الترس لنا محاربين، بان غدركم ولُؤمُكم.
الإعراب: (حتى): حرف ابتداء،"إذا": ظرفية شرطية غير جازمة متعلقة بجواب الشرط. "امتلأت":=

<<  <  ج: ص:  >  >>