للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تغييرَ أحدِ العاملَيْن بغيره من النواصب، وحينئذ يؤدّي إلى أن يكون الاسم الواحد مرفوعًا ومنصوبًا في حال واحدة، وذلك فاسدٌ. وإذ لم يجز أن يعملا معًا فيه، وجب أن يعمل أحدهما فيه، وتُقدّر للآخر معمولًا يدلّ عليه المذكورُ.

وذهب الجميع إلى جوازِ إعمالِ أيهما شئتَ، واختلفوا في الأَولوية (١)؛ فذهب البصريون إلى أنّ إعمال الثاني أوْلَى، وذهب الكوفيون إلى أن إعمالَ الأول أولى (٢). فإذا قلت: "ضربني وضربتُ زيدًا"، نصبت "زيدًا"، لأنّك أعملت فيه "ضَرَبْتُ"، ولم تُعْمِل الأولَ فيه لفطًا، وإن كان المعنى عليه.

وذهب سيبويه (٣) إلى أن في "ضَرَبَنِي" فاعلًا مضمرًا دلّ عليه المذكور. وحَمَلَه على القول بذلك امتناعُ خُلُوِّ الفعل من فاعل في اللفظ.

وذهب الكِسائيّ إلى أن الفاعل محذوفٌ دلّ عليه الظاهرُ. وكان الفرّاء لا يرى الإضمارَ قبل الذكر.

وأثَرُ هذا الخلافِ يظهر في التثنية والجمع، فتقول على مذهب سيبويه في التثنية: "ضَرَباني وضربتُ الزيدَيْن"؛ وفي الجمع: "ضربوني وضربتُ الزيدِين"، فتُظْهِر علامةَ التثنية والجمع, لأن فيه ضميرًا. وتقول على مذهب الكسائيّ: "ضربني وضربتُ زيدًا"، وفي التثنية: "ضربني وضربتُ الزيدَيْن"؛ وفي الجمع: "ضربني وضربت الزيدِين"، فتُوحّد الفعلَ الأول في كل حال لخُلُوّه من الضمير.

والصحيح مذهب سيبويه, لأن الإضمار قبل الذكر قد ورد عنهم في مواضعَ على شريطةِ التفسير؛ من ذلك إضمارُ الشَّأن والقِصَّةِ والحديثِ في باب المبتدأ والخبر وما دخل عليهما، نحو قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (٤)؛ وهو إضمَارُ الشأن والحديثِ، وفسّره بعده؛ ونحو قول الشاعر [من الطويل]:

١٢٣ - إذا مُتُّ كان، الناسُ نِصْفان: شَامِتٌ ... وآخَرُ مُثْنٍ بالذي كُنْتُ أَصْنَعُ


(١) في الطبعتين: "الأوّليّة"، والتصحيح عن جدول التصحيحات الملحق بطبعة ليبزغ ص ٩٠٥.
(٢) انظر: الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين. ص ٨٣، ٩٦.
(٣) الكتاب ١/ ٧٨.
(٤) الإخلاص: ١.
١٢٣ - التخريج: البيت للعجير السلولي في الأزهية ص ١٩٠؛ وتخليص الشواهد ص ٢٤٦؛ وخزانة الأدب ٩/ ٧٢، ٧٣؛ والدرر ١/ ٢٢٣، ٢/ ٤١؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ١٤٤؛ والكتاب ١/ ٧١؛ والمقاصد الخوية ٢/ ٨٥؛ ونوادر أبي زيد ص ١٥٦، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٣٦؛ واللمع في العربية ص ١٢٢؛ وهمع الهوامع ١/ ٦٧، ١١١.
اللغة: صنفان: نوعان. الشامت: الذي يفرح بمصيبة غيره. مثنٍ: مادح.
المعنى: يقول: إنّ الناس سيفترقون في شأنه إلى فرقتين: إحداهما تشمت به لكثرة غيظه لها،=

<<  <  ج: ص:  >  >>