للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الشارح: من الحروف حرفا التفسير، ويُقال لهما: حرفا العِبارة. فأمّا "أي"، فتكون تفسيرًا لما قبلها، وعبارةً عنه. وشرطُها أن يكون ما قبلها جملة تامّةً مستغنيةً بنفسها، يقع بعدها جملةٌ أُخرى تامّةٌ أيضًا، تكون الثانيةُ هي الأُولى في المعنى مفسّرة لها، فتقع "أيْ" بين جملتَين، وذلك قولك: "ركب بسيفه، أي: وسيفُه معه"، و"خرج بثيابه، أي: وثيابُه عليه". فقدلُك: "وسيفه معه" هو في المعنى: بسيفه، وكذلك "خرج بثيابه"، وهو في المعنى: وثيابُه عليه. لا بد أن تكون الجملة الثانية في المعنى الأولى، وإلا فلا تكون تفسيرًا لها.

وتقول: "رميتُه من يدي، أي: ألقيتُه"، فقدلك: "ألقيته" بمعنى "رميتُه من يدي". وكذلك قوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} (١)، أي: من قومه، فحصلت الجملة الثانية مفسّرة للأولى. والمخالَفةُ بينهما من حيث أن في الثانية "من" وهي مرادةٌ في الأُولى، وليست في لفظها، ولذلك صحّ أن تكون تفسيرًا لها. وقد ذهب قومٌ إلى أنّ "أيْ" هنا اسمٌ من أسماء الأفعال، ومسمّاه: "عُوا" و"افْهَمُوا"، كـ"صَهْ" و"مَهْ". وليس الأمر على ما ظن هؤلاء, لأنّ "صَهْ"، و"مَهْ" يدلاّن على معنى في أنفسهما إذا أفردا، وهو اُسكُتْ واُكفُفْ، وليس كذلك "أيْ"؛ لأنها لا يُفْهَم لها معنى حتى تُضاف إلى ما بعدها، فأمّا قوله [من الطويل]:

وترمينني بالطرف ... إلخ

الشاهد فيه قوله: "أي أنت مذنبٌ" جعله تفسيرًا لقوله: "ترمينني بالطرف"، إذ كان معنى "ترمينني بالطرف"، أي: تنظر إليّ نَظَرَ مُغْضَبٍ. ولا يكون ذلك إلَّا عن ذَنْب، فلذلك قال: "أي أنت مذنب". والقِلَى: البُغضُ. ومنه قوله تعالى: و {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} (٢). وقوله: "لكِنَّ إياك"، "لكن" بمعنى الشأن والحديث، والهاءُ منويّة، و"إيّاك" مفعولُ "أقْلِي" قُدّم عليه، والمراد: لَكِنَّهُ، أي: لكن الأمرَ والشأنَ لا أقليك. فلمّا تقدّم الكاف، أُتي بالضمير المنفصل. وقوله: "وترمينني"، الياءُ هي الفاعلةُ، والنونُ الأُولى علامةُ الرفع لا تُحذف إلَّا في الجزم والنصب، والثانيةُ وِقايةٌ كالتي في "ضَرَبَني"، و"خاطَبَني"، فاعرفه.


= جملة "ترمينني": بحسب ما قبلها. وجملة "أنت مذنب": تفسيرية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "تقلينني": معطرفة على جملة "ترمينني". وجملة "لكنني ... ": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "لا أقلي": في محل رفع خبر "لكن".
الشاهد فيه قوله: "أي أنت مذنب" حيث جاءت "أي" حرف تفسير للجملة "ترمينني بالطرف" بالجملة "أنت مذنب".
(١) الأعراف: ١٥٥.
(٢) الضحى:٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>