للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجوز عنده: "أعجبنى ما قمتَ"؛ لأنّ الفعل غيرُ متعدّ، فلا يصح تقديرُ ضمير فيه، ولذلك لا يجوز عنده: "أعجبني ما ضربتَ زيدًا"؛ لأن الفعل قد استوفى مفعولَه. ولا يصح فيه تقديرُ ضميرِ مفعول آخرَ.

وممّا يؤيد مذهبَ سيبويه قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (١)، فلو كانت "ما" هنا اسمًا، للَزم أن يكون في الجملة بعدها ضميرٌ، ولا ضميرَ فيها، ولا يصح تقديرُ ضمير؛ لأنّ الفعل قد استوفى مفعولَه.

فإن قيل: فأنت تقول: "أعجبني ما صنعت"، و"سرّني ما لبِستَ"، ويكون ثَمّ عائدٌ على معنى "صنعتَهُ"، و"لبستَةُ"، ولا يعود الضمير إلَّا إلى اسم، قيل: متى اعتقدتَ عودَ الضمير إلى "ما" كانت اسمًا لا محالةَ، ومتى لم تعتقد ذلك؛ فهي حرفٌ. فأمّا قوله تعالى: {وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} (٢) ففيه أيضًا دلالةٌ على أنّ "ما" حرفٌ، وليست اسمًا؛ لأنّه ليس في صلتها عائدٌ، والفعلُ لازمٌ ولا يتعدّى، ولا يصحّ تقديرُ إلحاق الضمير به.

وقوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} (٣)، ففيه قولان: أحدهما: أن "ما" فيه بمعنَى "مَنْ"، والمراد: والسماءِ ومَن بناها. والقولُ الثاني: أنّ "ما" مع الفعل بمعنى المصدر، والمراد: وبنائها، فالقَسَمُ إذا بالسماء وبنائها، أقسم الله تعالى بهما تفخيمًا لأمرهما. وعليه أكثرُ المفسّرين. ومثلُه قول الشاعر [من الوافر]:

يسرّ المرء ... إلخ

فالشاهد فيه قوله:"ما ذهب الليالي". وذلك أنّه جعل "ما" مع ما بعدها من الفعل في موضع المصدر المرفوع بأنّه فاعلٌ، ولا عائدَ في اللفظ، ولا مقدَّرٌ، لأنّ الفعل لازمٌ، والمراد: يسرّ المرءَ ذَهابُ الليالي إمّا ليتناول وظيفتَه، وإذا رَجاءَ تبدّلِ حال، وهو في الحقيقة من عُمْره يُحْسَب.

وأمّا "أنْ"، فهي حرف بلا خلاف، وهي تدخل على الفعل الماضي والمضارع. فإذا وقع بعدها المضارعُ، خلّصته للاستقبال كالسين و"سَوف"، وتصير "أنْ" في تأويلِ مصدر لا يقع في الحال، إنما تكون لِما لم يقع كما كان المضارع بعدها كذلك، والماضي إن وقعت على ماض.

والفرق بينها وبين "ما" أنّ "ما" تدخل على الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر، و"أنْ" مختصّةٌ بالفعل، ولذلك كانت عاملة فيه، ولعدمِ اختصاصِ "ما" لم تعمل شيئًا، وذلك


(١) البقرة: ٣.
(٢) التوبة: ٢٥.
(٣) الشمس:٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>