للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"ما"، عليها. وليست "ما" في "حَيْثُما" و"إذْما" لَغْوا على حدّها في "أيْنَما"، و"مَتى ما" وإنما هي كافّةٌ لهما عن الإضافة بمنزلةِ "إنمَّا" و"كأنما".

واعلم أنّ "إنْ" أُمّ هذا الباب؛ للزومها هذا المعنى، وعدم خروجها عنه إلى غيره، ولذلك اتُّسع فيها، وفُصل بينها وبين مجزومها بالاسم، نحوَ قوَلهم: "إن الله أمكنني من فلان فعلتُ". وقد يُقتصر عليها ويوقَف عندها، نحوَ قولك: "صَلَّ خَلَفَ فلان وإنْ"، أي: وإن كان فاسِقًا. ولا يكون مثلُ ذلك في عْيرها ممّا يُجازى به.

وتدخل على جملتَين، فتربط إحداهما بالأُخرى، وتُصيّرهما كالجملة، نحوَ قولك: "إن تأتني آتِك"، والأصلُ: "تأتيني آتيك". فلمّا دخلت "إنْ"، عقدتْ إحداهما بالأخُرى، حتى لو قلت: "إن تأتني" وسكتَّ، لا يكون كلامًا، حتى تأتي بالجملة الأخُرى. فهو نظيرُ المبتدأ الذي لا بدّ له من الخبر، ولا يفيد أحدُهما إلَّا مع الآخر، فالجملةُ الأُولى كالمبتدأ، والجملة الثانية كالخبر. فهو من التامّ الذي لا يزاد عليه فيصير ناقصًا، نحوِ: "قام زيدٌ". فهذا كلامٌ تامٌّ. فإذا زدتَ عليه "إنْ"، وقلت: "إنْ قام زيدٌ"، صار ناقصًا، لا يتمّ إلَّا بجوابٍ. ومثلُه المبتدأ والخبر، نحوُ قولك: "زيدٌ قائمٌ"، فإذا زدت عليه "أنَّ"، المفتوحةَ، وقلت: "أن زيدًا قائمٌ"، استحال الكلامُ إلى معنى الإفراد بعد أن كان جملة، ولا ينعقد كلامًا إلَّا بضميمةٍ إليه، نحوَ قولك: "بلغني أن زيدًا قائمٌ"، فبضميمةِ "بلغني" إليه، صار كلامًا.

وحقُّ "إن" الجزائيّةِ أن يليها المستقبلُ من الأفعال؛ لأتّك تشترط فيما يأتي أن يقع شيءٌ لوقوع غيره. فإن وليها فعلٌ ماضٍ، أحالت معناه إلى الاستقبال، وذلك قولك: "إن قمتَ قمتُ"، والمراد: إن تَقُمْ أقُم.

فإن قيل: فإنّهم يقولون:"إن كنتَ زُرْتَنِي أمسِ أكرمتُك اليومَ"، وقد وقع بعد "إن" الفعلُ، ومعناه المضيُّ، ومنه قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} (١)، قيل: قد أجاب عن ذلك المبرد، وقال: إنّما ساغ ذلك في "كانَ" لقوّة دلالتها على المضيّ، وأنّها أصلُ الأفعال وعبارتُها، فجاز لذلك أن تقلب في الدلالة "إنْ". ولذلك لا يقع شيءٌ من الأفعال غيرُ "كان" بعد "إن"، إلَّا ومعناه المضارعُ. وقال ابن السرّاج: هو على تأويلِ: "إن أكُنْ كنتُ قُلْتُه"، وكذلك ما كان مثله.

وأمّا "لَوْ"، فمعناها الشرطُ أيضًا؛ لأن الثاني يوقَف وجودُه على وجود الأول، فالأوّلُ سببٌ وعلّة للثاني، كما كان كذلك في "إنْ"، إلَّا أنْ الفُرْقان بينهما أنّ "لَوْ" يوقَف وجودُ الثاني بها على وجود الأوّل، ولم يُوجَد الشرطُ، ولا المشروطُ، فكأنّه امتنع وجودُ


(١) المائدة: ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>