للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاملُ خافضًا، فإنّه يجوز تقديمُه على المجرور إذا كان في صلةِ ما بعده أو مبتدأ، نحوَ قولك: "بمن تَمْرُرْ أمْرُرْ"، و"على من تَتزِلْ أنْزِل". فالباءُ وما اتصلتْ به من قولك: "بمن تمرر" لمحي موصْعِ نصب بالفعل الذي هو "تمرر" وكذلك "على" وما بعده من المجرور في موضع نصب بفعل الشرط.

وإنّما ساغ تقديمُه هنا لأن الجاز يتنزّل منزلةَ الجزء ممّا يعمل فيه، ولذلك يُحْكم على موضعهما بالنصب مع أنّ الضرورة قادت إلى ذلك؛ لعدم جواز الفصل بين الخافض ومخفوضه. ولا يتقدّم الجزاءُ على أداته، فلا تقول: "آتِك إن أتيتَنى"، و"أُحْسِنْ إليك إن أكرمتَني" بالجزم على الجواب؛ لأن الجزاء لا يتقدّم على ما ذكرناه، فإن رفعتَ، وقلتَ: "آتيك إن أتيتَنى"، و"أًحْسِنُ إليك إن أكرمتَنى"، جاز. ومثلُه: "أنتِ طالقٌ إن دخلتِ الدارَ"، و"أنا ظالمٌ إن فعلتُ"، ولم يكن ما تقدّم جوابًا، وإنمّا هو كلام مستقل عُقّب بالشرط، والاعتمادُ على المبتدأ والخبر، ثُمّ عُلّق بالشرط كما يُعلَّق بالظرف في نحوِ: "آتيك يومَ الجمعة"، و"أنتِ طالق يومَ السبْت"، والجوابُ محذوف. وليس ما تقدّم بجواب، ألا ترى أنّ الجواب إذا كان فعلاً كان مجزومًا، وإن كان جملة اسمية لزمته الفاءُ، وكان يجب أن يُقال: "فأنت طالق إن دخلت الدار" كما تقوله إذا تأخّر؟ وهذا معنى قوله: "وليس ما تقدّم فيه جزاء مقدّمًا، ولكن كلامًا واردًا على سبيل الإخبار والجزاء محذوف".

واعلم أنّه لا يحسن أن تقول: "آتيك إن تأتني"؛ لأنك جزمت بـ "إن". وإذا أعملتها، لم يكن بدٌّ من الجواب، ولم تأتِ بجواب، ولو قلت. "أتيتك إن أتيتني"، جاز؛ لأن حرف الشرط لم يجزم فساغ أن لا تأتي بجواب. وقد كثُر حذف المبتدأ بعد الفاء في جواب الشرط، نحوُ قولك: "إن تأتني فمُكرَمٌ، وإن تعرضْ فكريمٌ". وذلك لأنه قد جرى ذكره مع الشرط، فاستُغني بذلك عن إعادته.

وقد يحذف جوابُ "لَوْ" أيضًا كثيرًا، وقد جاء ذلك في القرآن والشعر. فالقرآن قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} (١) فلم يأتِ لـ"لو" بجواب، فلم يقل: "لكان هذا القرآنَ". وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} (٢)، والجواب محذوفٌ تقديره: "لَرأيتَ سُوءَ مُنْقَلَبِهم". وقال الشاعر [من الطويل]:

١١٧٩ - وَجَدّكَ لو شيءٌ أتانا رَسولُه ... سِواكَ ولكِنْ لم نَجِدْ لك مَدْفَعا


(١) الرعد: ٣١.
(٢) الأنعام: ٢٧.
١١٧٩ - التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص ٢٤٢؛ وخزانة الأدب ١٠/ ٨٤، ٨٥؛ وبلا نسبة في خزانة الأدب ٤/ ١٤٤، ١٠/ ١١٧؛ وكتاب الصناعتين ص ١٨٢؛ ولسان العرب ٣/ ٤٥٢ (وحد). =

<<  <  ج: ص:  >  >>