للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الآخرُ فيه من جهة المعنى لا غيرُ. فتقول على مذهب سيبويه: "قاما وقعد أخواك، فتُثنِّي الفعلَ الأولَ, لأنّ فيه ضميرًا. وتقول: "قام وقعد أخواك" على مذهب الكِسائيّ، وتُوَحِّد الفعلَيْن جميعًا؛ الأولَ لأنّ فاعِلَه محذوفٌ عنده. والثاني لأنّه عمل في الظاهر بعده. وتقول على مذهب الفرّاء: "قام وقعد أخواك"، فتوحّد الفعلَيْن جميعًا أيضًا، لخُلُوّهما من الضمير، لأنّهما جميعًا عَمِلاَ في هذا الاسم الظاهرِ ورَفَعَاه.

فأمّا بيت امرئ القيس [من الطويل]:

فلو أن ما أسْعَى لأدْنَى مَعِيشَةٍ ... كَفَانِي ولم أطْلُبْ قَلِيلٌ من المالِ

فليس من هذا الباب, لأن شرطَ هذا الباب أن يكون كلُّ واحد من الفعلَيْن موجِّهًا إلى ما وُتجه إليه الآخرُ، وهو الاسمُ المذكور، وليس الأمرُ في البيت كذلك؛ لأنّ الفعل الأول موجَّةٌ إلى القليل من المال، والثاني موجَّهٌ إلى المُلْك، ولم يجعل القليلَ مطلوبًا، وإنّما كان مطلوبه الملكَ. وتلخيصُ معنى البيت: إنّني لو سعيتُ لمنزلةٍ دَنيّةٍ، كفاني قليلٌ من المال، ولم أطلب الكثيرَ؛ ألا ترى أنّه قال في البيت الثاني:

وَلَكِنَّمَا أسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ ... وقد يُدْرِكُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ أمْثالِي

ولو نصب "قليلاً" بـ "أطْلُب" استحال المعنى، وصار التقديرُ: "كفاني قليلٌ

ولم أطلب قليلاً"، فيكون هذا عطفَ جملة على (١) جملة لا تعلُّقَ لإحداهما (٢) بالأخرى، كقولك: "ضربني زيدٌ"، و"لم أُكْرِم بكرًا"؛ وحذف المفعولَ من الجملة الثانية لدلالةِ البيت الثاني عليه؛ يصف بُعْدَ همِّته، فيقول: لو كان سَعْيِي في الدنيا لأدْنَى حَظٍّ فيها, لَكَفَتْنِي البُلْغَةُ من العَيْش، ولم أتَجَشمْ ما أتَجَشَّمُ. وإنّما طَلَبِي مَعالِي الأمُور، كالمُمُلْك ونحوهِ. فاعرفه.

* * *

قال صاحب الكتاب: ومن إضماره قولهم: "إذا كان غدًا فائتني", أي: إذا كان ما نحن عليه غدًا".

* * *

قال الشارح: يريد ومن إضمار الفاعل أنّ الإنسان يقول لِمَن يخاطبه في أمر يطلبه: "إذا كان غدًا فائتني" يريد: إذا كان ما نحن عليه غدًا فائتني. فـ "كَانَ". ههنا، بمعنَى الحُدوث، والتقديرُ: إذا حدث هذا الأمرُ غدًا، فائتني، فأضمر الفاعل لدلالة الحال عليه، وصار تفسيرُ الحال كتقديمِ الظاهر. ونحوٌ منه [من الطويل]:


(١) في الطبعتين: "إلى"، والتصحيح عن جدول التصحيحات الملحق بطبعة ليبزغ ص ٩٠٥.
(٢) في الطبعتين: "لأحدهما"، والتصحيح عن جدول التصحيحات الملحق بطبعة ليبزغ ص ٩٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>