للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يوجب الإمالةَ لا بدّ منها، بل كلُّ مُمال لعلّةٍ، فلَكَ أن لا تُميله مع وجودها فيه، ونحو ذلك ممّا هو علّةٌ للجواز الواوُ إذا انضمّت ضمًّا لازمًا، نحو: "وُقِّتت"، و"أُقِّتت"، و"وُجُوهٌ"، و"أجُوهٌ"، فانضمامُ الواو أمرٌ يُجوِّز الهمزةَ، ولا يُوجِبها.

فمثالُ الأوّل وهو ما أُميل للكسرة قولك في "عِمَادٍ": "عِمادٌ" وفي "شِمْلَالٍ": "شِملالٌ" وفي "عَالِم": "عالِمٌ". فالكسرةُ في "عِماد" هي التي دعتْ إلى الإمالة؛ لأنّ الحرف الذي قبل الألف، وهو الميمُ، تُمال فتحتها إلى الكسرة؛ لأجل انكسار العين في "عماد"، وكذلك "شِمْلال" تُميل فتحةَ اللام منه لكسرة شين "شِمْلالٍ"، ولا يُعتدّ بالميم فاصلةً لسكونها، فهي حاجزٌ غيرُ حصين، فصارت كأنّها غيرُ موجودة، فإذًا قولك: "شملال" كقولك: "شِمالٌ". وإذا كانوا قد قالوا: "صبغت" في "سبغت" فقلبوا السين صادًا مع قوّة الحاجز لتحرُّكه، وقالوا: "صراط" والأصل: "سراط" فلأَنْ يجوز فيما ذكرناه كان أولى.

وقالوا: "عالمٌ"، فأمالوا للكسرة بعدها، كما أمالوا للكسرة قبلها، إلَّا أنّ الكسرة إذا كانت متقدّمة على الألف، كانت أدعى للإمالة منها إذا كانت متأخّرة. وذلك أنّها إذا كانت متقدّمة، كان في تقدّمها تسفّلٌ بالكسرة، ثمّ تصعد إلى الألف. وإذا كانت الكسرة بعد الألف، كان في ذلك تسفّلٌ بعد تصعّدٍ. والانحدارُ من عالٍ أسهلُ من الصعود بعد الانحدار، وإن كان الجميع سببًا للإمالة.

واعلم أنّه كلّما كثرت الكسراتُ، كان أدعى للإمالة لقوّة سببها. ومتى بعدت عن الألف، ضُعفت؛ لأنّ للقُرب من التأثير ما ليس للبُعْد. ولاجتماع الأسباب حكمٌ ليس لانفرادها، فإذا الإمالةُ في "جِلِبّاب" أقوى من إمالة "شِمْلال"؛ لأن الكسرتين أقوى من الكسرة الواحدة. وإمالةُ "عماد" أقوى من إمالة "شملال"؛ لقرب الكسرة من الألف. وإمالة "شملال" أقوى من إمالة "أكلتُ عِنَبا"؛ لقوّة الحاجز بالحركة. وإمالةُ "أكلت عنبا" أقوى من إمالة "دِرْهَمانِ"؛ لأنّ بين كسرة الدال من "درهمان" وبين الألف منها ثلاثةَ أحرف. فلمّا كانت الكسرة أقرب إلى الألف، فالإمالةُ له ألزمُ، والنصب فيه جائزٌ. وكلّما كثُرت الكسرات والياءات كانت الإمالة فيه أحسن من النصب. وقالوا: "شَيبانُ"، و"قَيْسُ عَيْلانَ"، و"شوكُ السَّيالِ"، وهو شجرٌ، و"الضَّياح"، وهو لَبَنٌ، فأمالوا ذلك لمكان الياء. وقالوا: "رأيت زيدًا"، فأمالوا، وهو أضعفُ من الأوّل؛ لأنّ الألف بدلٌ من التنوين، وأهلُ الحجاز لا يميلون ذلك ويفتحونه.

فأمّا الياء الساكنة إذا كان قبلها حركةٌ من جنسها، نحو: "ديباج" و"دِيماس"، فإنّ الإمالة فيه أقوى من إمالتها، إذا لم يكن ما قبلها حركة من جنسها من نحو: "شيْبانَ"، و"عَيْلانَ"؛ لأنّ الأوّل فيه سببان: الكسرةُ والياء، والثاني فيه سببٌ واحدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>