للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصوت لا سيّما وهي مفتوحةٌ، والفتحُ ممّا يزيدها استعلاءً. قال سيبويه (١): لأنّها إذا كانت ممّا يُنْصَب مع غير هذه الحروف، لزمها النصبُ مع هذه الحروف، قال: ولا نعلم أحدًا يُمِيل هذه الألفَ إلَّا من لا يوثَق بعربيّته، وكذلك إذا كان حرفٌ من هذه الحروف بعد الألف، يريد أنّ النصب كان جائزًا فيها مع سبب الإمالة، فهو مع هذه الحروف لازمٌ، وذلك قولك: "عاصمٌ"، و"عاضدٌ"، و"عاطلٌ"، و"واغلٌ"، و"ناخلٌ"، و"ناقفٌ"، فهذا كلُّه غيرُ ممال.

وقد شبّهه سيبويه (٢) بقولهم: "صبقت" في "سبقت"، حيث أرادوا المشاكلة والعملَ من وجه واحد، إذ كانت السين مهموسة، والقافُ مجهورة مستعلية، فقاربوا بينهما بأن أبدلوا منها أقربَ الحروف إليها، وهي الصاد, لأنّها تُقارِبها في المخرج والصفير، وتقارب القافَ في الاستعلاء، وإن لم تكن مثلها في الإطباق.

وكذلك إن كانت بعد الألف بحرف، نحو: "ناشص"، وهو المرتفعُ، يقال: "نشص نشوصًا"، أي: ارتفع. و"عارضٌ"، وهو السحاب المعترض في الأُفْق، والعارضُ: النابُ، والضَّرْسُ الذي يليه. و"ناشطٌ" من قولهم: "نشِط الرجلُ ينشَط نَشاطًا"، وهو كالمَرَح. و"باهظ" من قولهم: "بَهَظَهُ الحِمْلُ"، يقال: "شيءٌ باهظٌ"، أي: شاقٌّ، و"نابغٌ" من قولهم: "نَبَغَ"، أي: ظَهَرَ، و"نافخٌ"، و"نافقٌ" فاعلٌ من "نَفَقَ البَيْعُ"، أي: راجَ. فهذا وما كان مثله نصبٌ غيرُ مُمال، ولا يمنعه الحاجزُ بينهما من ذلك كما لم يمنع السينَ من انقلابها صادًا الحرفُ، وهو الباء في قولك: "صبقت" في معنى "سبقت".

ولا يميل ذلك أحدٌ من العرب إلَّا من لا يوثق بعربيّته، هذا نصُّ سيبويه. وكذلك إن كان الحاجز بينهما حرفَيْن، نحو: "مَفارِيصَ"، وهو جمعُ "مِفْرَاصٍ" لِما يُقْطَع به، و"مَعاريِضَ" وهو التَّوْرِيَةُ بالشيء عن الشيء، وفي المَثَل "إنّ في المعاريض لَمندوحةً عن الكذب" (٣). و"مَناشِيط" وهو جمع "مَنْشوطٍ"، من "نَشَطَ العُقْدَةَ" إذا ربطها ربطًا يسهّل انحلالَها، ويجوز أن يكون جمع "مِنْشاط" للرجل يكثر نشاطُه. و"مَواعِيظ" جمع "مَوْعُوظ" مفعول من الوَعْظ الذي هو النصح. و"مَبالِيغ" جمع "مَبْلُوغ" من قولهم: "قد بلغتُ المكانَ" إذا وصلتَ إليه، فالمكان مبلوغٌ، والواصل إليه بالغٌ. ومنه قوله تعالى: {لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} (٤). و"مَنَافِيخ": جمع "مِنْفاخٍ"، وهو ما يُنْفَخ به كالكِير


(١) الكتاب ٤/ ١٢٩.
(٢) الكتاب ٤/ ١٣٠.
(٣) ورد المثل في لسان العرب ٧/ ١٨٣ (عرض)؛ ومجمع الأمثال ١/ ١٣.
والمعاريض: جمع معراض، ومعراض الكلام: فحواه. والمندوحة: السَّعة والفُسحة. يُضرب لمن يظنّ أنّه مضطرّ إلى الكذب.
(٤) النحل: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>