للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المكسورَيْن، فغلبتْ ها هنا المستعلي كما غلبت المفتوحةُ على منع الإمالة الكسرةَ والياء ونحوَهما من أسباب الإمالة، ولأن حرف الاستعلاء إذا كان قبل الألف، كان أضعفَ في منع الإمالة ممّا إذا كان بعده. وذلك لأنّه إذا تقدّم، كان كالانحدار من عالٍ إلى سافلٍ، وذلك أسهلُ من العكس.

ولقوّة الراء المكسورة بتكريرها وضُعْفِ حرف الاستعلاء إذا تقدّم، ساغت الإمالةُ معه، فلذلك تميل نحو "قادر"، و"غارب"، ولا تميل نحو: "فارقٍ"، و"سارقٍ"، وذلك لقوّة المستعلي إذا تأخّر وضُعْفِه إذا تقدّم.

والراء المكسورةُ تغلب الراء المفتوحة والمضمومةَ إذا جامعتْهما، نحو: "مِن قَرارِك"، وقُرىء: {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ} (١). وذلك لأنّ الراء المفتوحة لم تكن أقوى في منع الإمالة من المستعلي. وقد غلبت المكسورةُ في نحو "طاردٍ"، "وغارمٍ"، قال سيبويه: ولم تكن الراء المفتوحة التي قبل الألف بأقوى من حرف الاستعلاء.

وإذا تباعدت هذه الراء عن الألف، لم تُؤثِّر، قالوا: "هذا كافرٌ" و"هي المَنابِرُ"، فأمالوا. ولم تمنع الراء الإمالةَ كما منعت في "هذا حمارُك"؛ لتباعُدها عن الألف، ففصل الحرفُ بينها وبين الألف، ولم تكن في القوّة كالمستعلية, لأنّ الراء، وإن كانت مكرّرة، فليس فيها استعلاء هذه الحروف, لأنّها من مخرج اللام، وقريبةٌ من الياء. ولذلك الألثغُ يجعل مكانَها ياء، فيقول في "بارَكَ اللهُ لك": "بايَكَ الله لك".

ولم يميلوا "مررت بقادرٍ"؛ لأنّ الراء لمّا تباعدت من الألف بالفاصل بينهما، لم يبق لها تأثيرٌ لا في منع إمالة، ولا في تسويغها، فأمالوا "الكافرون" و"الكافرُ" على ما ذكرنا. ولم يعتدّوا بالراء وإن كانت مضمومة في منع الإمالة كما اعتدّوها إذا وليت الألفَ. ولم يميلوا "مررت بقادر" للقاف، كما لم يميلوا "طائفٌ"، و"ضامنٌ"، كما أمالوا "قاربٌ" لفصل الحرف بينهما.

ومن العرب من لا يميل الأوّل، فيقول: "هذا كافرٌ"، فينصب في الرفع والنصب، ويجعلونها بمنزلتها إذا لم يَحُلْ بينها وبين الألف شيءٌ، كأنّ الحرف المكسور بعد الألف ليس موجودًا. وقدّروا أنّ الراء قد وليت الألفَ، فصارت بمنزلةِ "هذا حمارٌ"، و"رأيت حمارًا"، كما أنّ الطاء في "ناشطٍ"، والقاف في "السَّمالِق" كأنّها تلي الألف في منع الإمالة.

وإذا كانت الراء مجرورة في "الكافر" ومكسورةً في "الكافرين"، أمالوا، كأنّ الراء تلي الألف، فالإمالةُ حسنة، وليس كحُسْنها في "الكافرين"؛ لأنّ الكسر في "الكافرين"


(١) الإنسان: ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>