للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُحذف في الكلام، وذلك إذا كان ما قبلها رَوِيًّا، فإنّهما يُحذفان كما يحذف الزائدان لإطلاق القافية إذا كان ما قبلها رويًّا، كما أنّ تلك كذلك. فلمّا ساوتها في ذلك، جرت مجراها في جواز الحذف. وهو في الأسماء أمثلُ منه في الأفعال, لأنّ الأسماء يلحقها التنوينُ في الكلام، فيُحذف له الياء. فممّا جاء في الأسماء قوله تعالى: {يَوْمَ التَّنَادِ} (١)، فحُذفت الياء، وكان فيها حسنًا، وإن كان الحذف في نحو "القاضي" مرجوحًا قبيحًا. ومثله {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} (٢). وقالوا في الفعل {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} (٣)، و {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} (٤): ولا يجوز في الكلام "زيدٌ يَرْمْ"، ولا "يَغْزْ"؛ لأنّ الأفعال لا يلحقها تنوينٌ يوجب الحذفَ، ومنه قول زُهَيْر [من الكامل]:

ولأَنْتَ تَفْرِي ما خَلَقْتَ وبعـ ... ـضُ القوم يَخلُقُ ثُمَّ لا يَفْرِ (٥)

فإنّه سكّن الراء للوقف، ولم يُطلِق القافية كحال الوصل. وإثباتُ الياء أجودُ, لأنّه فعلٌ. مدح هَرِمَ بن سِنان المُرّيَّ بالحَزْم وإمضاء العَزْم. ومعنى "يَفْرِي": يقطع، يقال: "فَرَيْت الأديمَ" إذا قطعتَه للصَّلاح، و"أفريته" إذا قطعته للفَساد. ومعنى "خلقتُ": قدّرتُ، يقال: "ما كلُّ من خلق يفري" (٦)، أي: ما كلّ من قدّر قطع، وهو مثلٌ يضرب لمن يعزم ولا يفعل. فأمّا قول الشاعر [من البسيط]:

لا يبعد اللَّه ... إلخ

فهو من أبيات الكتاب، والشاهدُ فيه حذفُ الواو التي هي ضمير، والمراد: صنعوا، ومثلُ ذلك لا يحسن في الكلام، وهو بالضرورة أشبهُ، والطريقُ فيه أنّه حذف الواو اجتزاءً بالضمّة عنها، على حدّ قوله [من الوافر]:

فلو أنّ الأَطِبَّا كانُ حَوْلِي ... وكان مع الأطِبّاء الأُساةُ (٧)

فاجتزأ بالضمة في "كانُ" عن الواو، ثمّ حذف الواو للوقف. ومثله قول الآخر [من الرجز]:

١٢٢٩ - لو أنّ قَوّمي حِينَ أَدْعُوهم حَمَلْ ... على الجِبال الصُّمّ لا رْفَضَّ الجَبَلْ والمراد: حملوا.


(١) غافر: ٣٢.
(٢) الرعد: ٩.
(٣) الفجر: ٤.
(٤) الكهف: ٦٤.
(٥) تقدم بالرقم ١٢٢٧.
(٦) لم أقع على هذا المثل فيما عدت إليه من مصادر.
(٧) تقدم بالرقم ٩٥٦.
١٢٢٩ - التخريج: الرجز بلا نسبة في شرح الجمل ٢/ ٤٧٩.
اللغة: حمل: أصلها حملوا بمعنى شدّوا. ارفضّ: تبدّد.
المعنى: لو أنّ قومي شدّوا على الجبل الأصمّ - إذا ما دعوتهم - لتبدّد الجبل وتكسّر.=

<<  <  ج: ص:  >  >>