للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتضم ميم "من", فيقال من ربي أنك لأشر. قال سيبويه (١): ولا تدخل الضمة في "مِنْ" إلا ههنا، كما لا تدخل الفتحة في "لدن" إلا مع "غدوة"، ولا تدخل إلا على "ربي"كما لا تدخل التاء إلا علي اسم الله وحده, وكما لا تدخل "أيمن" إلا علي اسم الله والكعبة. وسمع الأخفش من الله وتربى وإذا حذفت نونها فهي كالتاء تقول "مِ الله" و"مُ الله" كما تقول: "تالله". ومن الناس من يزعم أنها من "أيمن".

* * *

قال الشارح: قد ذكرنا أنّ القسم جملةٌ تُؤكَّد بها جملةٌ أخرى؛ نحو قولك: "أحلف بالله لتفعلنّ، ولا تفعل" والجملةُ المؤكَّدةُ "أحلفُ"، والمقسم به اسمُ الله تعالى، وما جرى مجراه ممّا هو معظَّمٌ عند الحالف. والجملةُ المؤكَّدةُ قوله: "لتفعلنّ"، و"لا تفعل"، وأداة القسم هي الباء الموصِلة لمعنى الحلف إلى المحلوف به. وقد يحذف الفعل تخفيفًا؛ لكثرة القسم واجتزاءً بدلالة حرفْ الجرّ عليه، فيقولون: "بالله لأفعلنّ". وأدواتُ القسم خمسةُ أحرف، وهي: الباء، والواو، والتاء، واللام، ومِنْ.

فأمّا الباء، فهي أصلُ حروف القسم؛ لأنّها حرفُ إضافة، ومعناها الإلصاقُ، فأضافت معنى القسم إلى المقسم به، وألصقتْه به، نحو قولك: "أحلفُ بالله"، كما توصل الباء المُرورَ إلى الممرور به فى قولك: "مررت بزيد"، فالباء من حروف الجرّ بمنزلةِ "مِن" و"في"، فلذلك قلنا: إنّها أصلُ حروف القسم، وغيرُها إنّما هو محمول عليها، فالواو بدلٌ من الباء، لأنّهم أرادوا التوسّع لكثرة الأيمان. وكانت الواو أقربَ إلى الباء لأمرَيْن: أحدهما أنّها من مخرجها؛ لأن الواو والباء جميعا من الشفتين، والثاني أنّ الواو للجمع، والباء للإلصاق، فهما متقاربان؛ لأن الشيء إذا لاصقَ الشيء فقد اجتمع معه. فلمّا وافقتْها في المعنى والمخرج، حُملت عليها، وأنيبت عنها، وكثُر استعمالها حتى غلبتها، ولذلك قدمها سيبويه (٢) في الذكر. فالواوُ في القسم بدلٌ من الباء، وعاملةٌ عَمَلَها، وليست كسائر حروف العطف؛ لأنّ واو العطف غيرُ عاملة بنفسها، وإنّما هى دالّة على العامل المحذوف، ولذلك يجوز أن تقول في "قام رْيدٌ وعمرٌو": "قام زيدٌ، وقام عمرٌو"، فتجامع العاملَ. ولو كانت العاملَ، لم تجتمع مع عاملٍ آخر. وليست كذلك واو القسم؛ لأنّها لا تجامع الباء. فإذا قلت: "وبزيدٍ"، كانت هذه الواو غير واو القسم.


= والتقدير: "موجود به الظيان". "الظيان": مبتدأ مؤخَّر مرفوع بالضمّة. "والآس ": الواو: حرف عطف، و"الآس": اسم معطوف على "الظيان" مرفوع مثله.
وجملة القسم "أقسم لله": ابتدائيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة "يبقى": جواب القسم لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "موجود به الظيان": فى محل جز صفة لـ "مشمخر".
والشاهد فيه قوله: "لله" حيث جاءت اللام للقَسَمْ على معنى التعجّب.
(١) الكتاب ٣/ ٤٩٩.
(٢) الكتاب ٣/ ٤٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>