للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخفش: أنه من جملة القسم توكيدٌ له، كأنه قال ذا قسمي. قال: والدليل عليه أنهم يقولون "لاها الله ذا لقد كان كذا", فيجيئون بالمقسم عليه بعده.

* * *

قال الشارح: قد ذكرنا أنّه قد يحذف حرف القسم تخفيفًا لقوّة الدلالة عليه، وهو في ذلك على ضربَيْن: أحدهما أن يحذفوه ويُعمِلوا فعلَ القسم في المقسم له، فينصبوه، وقد تقدّم الكلام على ذلك. والضرب الآخر أن يحذفوا الجار، ويُبْقوا عمله، يعتدّون به محذوفًا كما يعتدّون به مُثْبَتًا. وذلك للتنبيه على إرادة المحذوف، فيقال: "اللهِ لأقومنّ". حكاه سيبويه (١) في الخبر لا الاستفهامِ، والمراد: واللهِ، وباللهِ. وقد قُرئ: {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ} (٢)، فأخرج اسمَ الله من الإضافة وجعله قسمًا، وعليه يُحمل قوله تعالى في قراءة حمزة: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} (٣) على إرادة الباء. وحكى أبو العبّاس أنّ رُؤْبَةَ قيل له: "كيف أصبحتَ؟ " فقال: "خيرٍ، عافاك اللهُ"، وهو شبيةٌ بحذف المضاف وإبقاء عمله، نحو قولهم: "ما كل سَوْداء تمرةً ولا بيضاءَ شَخمَةً" (٤). ونحوه قول الشاعر [من المتقارب]:

أكُلَّ امْرِئٍ تَحسِبين امْرَءًا ... ونارِ تَوقَّد باللَّيْل نارا (٥)

على إرادة: وكل نار. وهو في الجملة قبيحٌ؛ لأن الجارّ ممتزجٌ بالمجرور كالجُزْء منه. ولذلك قال سيبويه: لأنّ المجرور داخلٌ في المضاف إليه، فيقبح حذفُه لذلك.

وقالوا "إي ها اللهِ"، والمراد: إي واللهِ، فحذفوا الواو، وعوّضوا منه هاء التنبيه. والدليلُ على ذلك أنّه لا يجوز اجتماعهما، فلا يقال: "إي ها والله"، ولا "إي ها بالله"؛ لأنّه لا يجتمع العوضُ والمعوَّضُ منه، وهو ها هنا أسهلُ منه فيما تقدّم؛ لوجود العوض عن المحذوف.

فأمّا قولهم: "لا ها اللهِ ذا"، فـ "ها" للتنبيه، وهي عوضٌ من حرف الجرّ على ما ذكرنا، و"ذا" إشارةٌ. قال الخليل: وهو من جملة القسم به، كأنّه صفةٌ لاسم الله، والمعنى: لا والله الحاضر نظرًا إلى قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (٦)، وقوله تعالى:


(١) الكتاب ٣/ ٤٩٩.
(٢) المائدة: ١٠٦. وهي قراءة الحسن وسعيد بن جبير وغيرهما.
انظر: البحر المحيط ٤/ ٤٤؛ والمحتسب ١/ ٢٢١؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ٢٤٢.
(٣) النساء: ١. وهي أيضًا قراءة الأعمش وإبراهيم النخعي وغيرهما.
انظر: البحر المحيط ٣/ ١٥٧؛ وتفسير الطبرى ٧/ ٥١٧؛ وتفسير القرطبي ٥/ ٢؛ والكشاف ١/ ٢٤١؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٢٤٧؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ١٠٤.
(٤) هذا القول من أمثال العرب، وقد تقدّم تخريجه.
(٥) تقدم بالرقم ٣٩٧.
(٦) الحديد: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>