قال الشارح: قد تقدّم أنّ أصل دخول هذه الهمزة إنّما هو في الأفعال، ودخولُها في الأسماء إنّما هو بالحمل عليها، والتشبيه بها. وتلك الأفعالُ ثمانيةٌ، وهي:"انْفَعَلَ"، نحو:"انطلق"، و"افْتَعَلَ"، نحو:"اقتدر"، و"اكتسب"، و"اِفْعَلَّ"، مثل:"احْمرَّ"، فهذه الثلاثةُ على زنة واحدة، ومثال واحد، و"اسْتَفْعَلَ"، نحو:"استخرجِ"، و"افْعَنْلَلَ"، نحو:"اقعنسس"، و"افْعَالَلْت"، نحو:"اشهابَبْت"، و"افْعَوَّلَ"، و"افْعَولَل"، نحو:"اخْرَوَّطَ"، و"اخْشَوْشَنَ". فهذه الخمسةُ على مثال واحد أيضًا. فهذه كلُّها يلزم أوّلها همزةُ الوصل لسكون أوّلها.
فإن قيل: ولِمَ أُسْكِن حتى افتقرت إلى همزة الوصل؟ قيل: أمّا الثلاثة الأُوَلُ، فإنّما أسْكِن أوّلها لأنّهم لو لم يفعلوا ذلك، لاجتمع في الكلمة أكثرُ من ثلاثِ متحرّكاتٍ. وأمّا الخمسةُ التي تليها، فكأنّهم زادوا عليها حرفًا، فكرهوا كثرةَ الحروف وكثرةَ المتحرّكات، فأسكنوا الأوّلَ منها، وأتوا بالهمزة توصُّلاً إلى النطق بالساكن. ولمّا وجب ذلك في هذه الأفعال لما ذكرناه، اعتمدوه في مصادرها، نحو:"الانطلاق"، و"الاقتدار, و"الاحمرار"، و"الاستخراج"، و"الاقْعِنْساس", و"الاشْهِيباب"، و"الاخْرِوّاط"، و"الاخشِيشان".
ومن ذلك "اطّايَرَ اطّيارًا"، و"اثّاقَلَ اثِّقالا"، و"ادّارَكُوا فِيهَا ادِّراكًا". جاؤوا بهمزة الوصل عند سكون الأوّل منه. وإنّما سكن الأوّلُ؛ لأنّهم ادّغموا تاء "تَفَاعَلَ" فيما بعده، إذ كان مقاربًا له، ثمّ جاؤوا بالهمزة، وإنّما كانت المصادرُ في ذلك كالأفعال؛ لأنّها جارية عليها، وكلُّ واحد منها يؤول إلى الآخر، ولذلك أعلّوا المصدر لاعتلال الفعل، نحو: "قَامَ قِيامًا"، ولولا اعتلالُ الفعل لما اعتلّ المصدرُ، وصحّ كما صحّ في "لِواذٍ".
وقوله: "التي بعد ألفاتها إذا ابتدىء بها أربعة أحرف فصاعدًا"، تحرّز به من مثل "أَفْعَلَ"، نحو: "أَخْرَجَ"، و"أَكْرَمَ"، فإنّ الهمزة فيه قطعٌ مع أنّ ما بعدها ساكنٌ، لأنّ الهمزة فيه كالأصل بُنيت الكلمة عليها كبناء "فَاعَلَ" و"فعَّلَ"؛ لأنّ الزيادة في كلّ واحد منها لمعنى، وليس كذلك همزةُ الوصل؛ لأنّها لم تدخل لمعنى بل وُصلةً إلى النطق بالساكن. والذي يؤيد عندك أنها كالملحقة، وإن لم تكن ملحقةً حقيقةً، أنّك تضمّ أوّل مضارعه، فتقول: "يُخْرِجُ"، و"يُكْرِم" كما تقول: "يُدَحْرِجُ"، و"يُسَرْهِفُ"، و"يُصَوْمِع"، و"يُجَهْوِرُ".
وإنّما قلنا: إنّها ليست للإلحاق، وذلك من قبل أنّ الملحق حكمُه حكمُ الأصل في المضارع والمصدر، نحو: "جَهْوَرُ"، و"بَيْطَرَ"، و"جَلْبَبَ"، لمّا كانت الزيادةُ فيها للإلحاق، قالوا في مضارعها: "يُجَهْوِرُ"، و"يُبَيطِرُ"، و"يُجَلْبِبُ" بالضمّ، وقالوا في مصدرها: "جَهْوَرَةٌ"، و"بَيطَرَةٌ"، و"جَلْبَبَةٌ"، كـ "دَحْرَجَةٍ"، و"سَرْهَفَةٍ". وأنت لا تقول في "أَكرَمَ"، و"قَاتَلَ"، و"كَلَّمَ": "أَكْرَمَةٌ"، ولا "قَاتَلَةٌ"، و"كَلَّمَةٌ"، فبَانَ لك أنّ الزيادة في "أَكرَمَ" جارية مجرى الملحق، وإن لم تكن ملحقة.