قال الشارح: إنّما سمّيت هذه الهمزة همزة الوصل؛ لأنّها تسقط في الدرج، فتصل ما قبلها إلى ما بعدها, ولا تقطعه عنه كما يفعل غيرُها من الحروف. وقيل: سُمّيت وَصْلاً؛ لأنّه يُتوصّل بها إلى النطق بالساكن. وحكمُها أن تكون مكسورة أبدًا؛ لأنها دخلت وصلةً إلى النطق بالساكن، فتَخيّلوا سكونَها مع سكونِ ما بعدها، فحرّكوها بالحركة التي تجب لالتقاء الساكنين، وهي الكسرة.
فإن كان الثالث من الاسم الذي فيه همزةُ الوصل مضمومًا ضَمًّا لازمًا، ضممت الهمزة، نحو:"اقْتُلْ"، "اخْرُجْ"، "اسْتُضعِفَ"، "انْطُلِقَ به". وذلك أنّهم كرهوا أن يخرجوا من كسرة إلى ضمّة؛ لأنّه خروجٌ من ثقيل إلى ما هو أثقلُ منه ليس بينهما إلّا حرفٌ ساكنٌ، ولذلك من الاستثقال قلّ في كلامهم نحو:"يَوْمٍ"، و"يوْخٍ"(١) للخروج من الياء إلى الواو، وكثُر في كلامهم نحو:"ويْلٍ"، و"وَيْحٍ"، و"وَيْسٍ"؛ لأنّ فيه خروجًا من ثقيل إلى ما هو أخفّ منه. وحكى قُطْرُب على سبيل الشذوذ:"اِقْتُلْ" بالكسر على الأصل.
وإنّما قلنا: ضمًّا لازمًا تحرّزًا من مثلِ: "ارْمُوا"، و"اِقْضُوا"، فإنّ الهمزة في ذلك كله مكسورةٌ، وإن كان الثالث مضمومًا؛ لأنّ الضمّة عارضةٌ، والميمُ في "ارموا" أصلُها الكسرُ، وكذلك الضاد في "اقضوا". وذلك أنّ الأصل "اقضِيُوا"، "ارْمِيُوا". وإنّما استثقلوا الضمّة على الياء المكسور ما قبلها، فحذفوها، فبقيت ساكنةً، وواوُ الضمير بعدها ساكن، فحُذفت الياء لالتقاء الساكنين، وضُمت العين لتصحّ الواو الساكنةُ، فبقيت الهمزةُ مكسورة على ما كانت، كما قالوا:"اُغزِي"، فضمّوا الهمزة والثالثُ مكسورٌ كما ترى، لأنّ الأصل "اغزُوِي"، فاعتلّت الواوُ، فحُذفت، ووَلِيَت الياء الزايَ، فانكسرتْ من أجلها، فالضمّةُ الآنَ في الهمزة مراعاةً للأصل.
وقوله:"وفتحت في الحرفين"، يريد مع لام التعريف وميمه، فإنّ الهمزة معهما مفتوحةٌ بخلاف حالها مع الأسماء والأفعال. والعلّة في ذلك أنّهم أرادوا أن يخالفوا بين حركتها مع الحرف، وحركتها مع الاسم والفعل.
وأمّا ألفُ "ايْمُن الله" في القسم، فمفتوحةٌ أيضًا إذ كان ما دخلت عليه غير متمكّن لا يُستعمل إلّا في القسم، ففُتحت همزته تشبيهًا لها بالهمزة اللاحقة حرفَ التعريف. وحكى يونس:"اِيمن الله" بالكسر على الأصل.
(١) جاء في تاج العروس (يوخ): ذكر اللَّيثُ هذا اللفظ، والظاهر أنّه محرَّف، والصواب أنه بالحاء، اسمٌ للشمس.