للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شُبّه الحرف عند وقوعه في ذا الموقع بضاد "عضُدٍ", وباء "كبد" (١). ومنهم من لا يُسْكِن.

* * *

قال الشارح: لمّا ذكر ما بُني من الأسماء والأفعال على سكون الأول، خاف أن يُتوهّم أن قولهم: "وَهْوَ"، و"وَهْيَ" بالإسكان من ذلك القبيل، فبيّن أمرَهما، وذلك أن "هُوَ" مضمومُ الأوّل، و"هِىَ" مكسورة. فإذا دخل عليه حرفُ عطف ممّا هو على حرف واحد، فإنّهم قد يُسكنونه لضرب من التخفيف. وأنت في ذلك بالخيار: إن شئت أسكنتَ، وإن شئت حرّكتَ. فمَن أسكن؛ فلأنّ الحرف الذي قبلهما، لمّا كان على حرف واحد، لا يمكن انفصالُه ولا الوقوفُ عليه يتنزّل منزلةَ ما هو من سِنخ الكلمة، فشبّه "وهو" بـ "عَضُد"، "وهي" بـ"كَتف" و"كبد"، فكما يقال: "عَضْدٌ" بالإسكان، و"كَتْفٌ", و"كَبْدٌ"، كذلك قالوا: "وهْوَ"، و"وَهْيَ" بالإسكان. قال الله تعالى: {وَهوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} (٢)، وقال: {فهيَ كَالحِجَارَة} (٣)، وقال: {لَهْوَ الْقَصَصُ} (٤)، فأسكن مع لام التأكيد كما أسكن مع واو العطف وفائه. وقالوا في الاستفهام: "أهْوَ فَعَلَ؟ " بإسكان الهاء، ومنه قول الشاعر [من البسيط]:

فقمْتُ للزَّوْرِ مُرْتاعًا فأَرَّقَني ... فقلتُ أهْيَ سَرَتْ أَمْ عادَنِي حُلُمُ

الشاهد فيه قوله: "أهْي" بإسكان الهاء، كأنّه شبّه "أَهْيَ" بـ"كَتْفٍ". والمعنى لمّا رأى المحبوبةَ استعظم ذلك، وقال: أذلك حقٌّ، أو منامٌ؟ فإن كان بَدَلَ الواو والفاء "ثُمَّ"، لم يحسن الإسكانُ حُسْنَه مع الواو والفاء؛ لكونها على أكثر من حرف واحد، فكأنّها منفصلةٌ ممّا بعدها، فلذلك كان أكثرُ القُرّاء على التحريك من قوله تعالى: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} (٥)،؛ فأمّا قوله: {فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} (٦)، وقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (٧)، فإنّ هذه لامُ الأمر، وأصلُها الكسر. يدلّ على ذلك أنّك إذا ابتدأت فقلت: "لِيَقُمْ زيدٌ"، كسرتَها لا غيرُ، فإذا ألحقتَ الكلامَ الذي فيه اللامُ الواوَ والفاء، جاز إسكانُها. فمَن أسكن مع الفاء أو الواو؛ فلأنّ الواو والفاء يصيران كشيء من نفس الكلمة، نحو: "كَتْف", لأنّ كلّ واحد منهما لا ينفرد بنفسه فصار بمنزلة "كتف". فإن جئتَ بـ "ثمَّ" مكانَ الفاء أو الواو، لم تسكن؛ لأنّ "ثُمَّ" ينفصل بنفسه، ويُسْكَت عليه، ومن قال: {ثمَّ لْيَقْضُوا} (٨) بإسكان اللام، فإنّه شبّه الميمَ الثانيةَ من "ثُمَّ" بالفاء والواو،


(١) أي: من ناحية جواز تسكينهما.
(٢) البقرة: ٢١٦.
(٣) البقرة: ٧٤.
(٤) آل عمران: ٦٢.
(٥) القصص: ٦١.
(٦) الكهف: ١٩.
(٧) الحج: ٢٩.
(٨) الحج: ٢٩. وهذه القراءة هى المثبتة في النص المصحفي. وقرأ نافع وقنبل وأبو عمرو بكسر اللام.
انظر: تفسير الطبري ١٧/ ١١١؛ والنشر في القراءات العشر ٢/ ٣٢٦؛ ومعجم القراءات القرآنية ٤/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>