للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: "تَمَعْدَدَ"، أي: تَكلّم بكلام معدّ، فـ "تَمَعّدَد": "تَفَعْلَلَ". ولو كانت الميم زائدة، لكان وزنُه "تَمَفعَلَ", ولا يُعرف "تَمَفعَلَ" في كلامهم. فأمّا قولهم: "تَمَسْكَنَ" إذا أظهر المسكَنَةَ، و"تَمَدْرَعَ" إذا لبس المِدْرعةَ، و"تَمَنْدَلَ" من المِنْديل، فهو قليل من قبيل الغلط، فكأنّهم اشتقّوا من لفظ الاسم كما يشتقّون من الجُمَل، نحو: "حَوْقَلَ"، و"سَبْحَلَ"، والجيدُ: "تَسَكّنَ"، و"تَدَرَّعَ"، و"تَنَدَّلَ". قال أبو عثمان: هذا كلام أكثر العرب.

وأمّا "مِعْزًى"، فإنّه وإن كان عَجَميًا، فإنّه قد عُرِّب في حال التنكير، فجرى مجرى العربيّة، فميمُه أصلٌ؛ لقولهم: "مَعْزٌ"، و"مَعِيز"، فـ "مَعْز": فَعْلٌ، و"معيز" "فَعِيلٌ"، فلو كانت الميم في "معزى" زائدة - وقد بُني منه ذلك - لقيل: "عَزى"، و"عَزيٌّ". فلمّا لم يُقَل، دلّ أنّ الميم أصلٌ. وكذلك "مَأجَجٌ"، و"مَهدَدُ" الميم فيهما أصلٌ، فـ "مأجج" مكان، و"مهدد" اسم امرأة. والذي يدل أن الميم فيهما أصل إظهارُ التضعيف. ولو كانت زائدة، لادُّغم المثلان، وكان يقال: "مَأَجّ"، و"مَهَدّ"، كـ"مَفَرَّ"، و"مَقَرّ"، ووزنُهما: "فَعْلَلٌ". واللام الثانية زائدةٌ للإلحاق بـ "جَعْفَرٍ". ولذلك لم يدّغموا، إذ لو ادّغموا لبطل الإلحاقُ، وانتقض الغرضُ.

وأمّا "مَنْجَنُونٌ" فلسيبويه (١) فيه قولان: أصحُّهما أنّ الميم فيه أصلٌ، والنون بعدها أصليّةٌ، والنون الثانية لامٌ، والكلمة رباعيّةُ الأصل. وإنّما كُرّرت النون الثانية لتُلْحَق "بعَضرَفُوطٍ"، ومثالُه: "فَعْلَلُولٌ". ومثله في التكرير "حَنْدَقُوقٌ"، وهو نبتٌ. وإنّما قلنا ذلك؛ لأنّه لا يخلو إمّا أن تكون الميم وحدها زائدة، أو النونُ وحدها زائدة، أو يكونا جميعًا زائدَيْن أو أصليَّيْن. ولا يجوز أن تكون الميم وحدها زائدة لأنّا لا نعلم في الكلام مَفعَلُولًا, ولا يجوز أن تكون النون وحدها زائدة؛ لقولهم في الجمع: "مَناجِين"، كذلك تجمعه عامةُ العرب. فلمّا ثبت في الجمع، قُضي بأصالتها، إن لو كانت زائدة، لقيل: "مَجانِين"، كما قالوا: "مَجانِيقُ". ولا يكون النون والميم جميعًا زائدين؛ لأنّه لا يجتمع


= مستتر تقديره: هو. "كان": فعل ماضٍ ناقص مبنى على الفتح. "جزائي": اسمه مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء: مضاف إليه محله الجر. "بالعصا": جار ومجرور متعلِّقان بالفعل "أُجْلد" المذكور أو المقدر على ما بينهم من الخلاف. "أن": حرف مصدري ناصب. "أجلدا": فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بـ "أن"، ونائب الفاعل مستتر وجوبًا تقديره: أنا، والألف: للإطلاق، والمصدر المؤول من "أن" والفعل "أجلد" خبر "كان".
جملة "ربيته": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "إذا ما تمعدد ... كان جزائي": استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تمعدد": مضاف إليها محلها الجر. وجملة "كان جزائي أن أجلد": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه قوله: "تمَعْدَد"، أي: صار على خلق معدّ. فالميم فيه أصلية.
(١) الكتاب ٤/ ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>