للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنّ حرف المد متى حُرّك، فارَقَ المدَّ، مع أنّ الألف لا يمكن تحريكُها، فلو حُرّكت انقلبت همزةً، وكانت الكلمةُ تؤول إلى القصر، وهم يريدونها ممدودةً، فوجب تحريكُ الثانية. فلمّا حُرّكت، انقلبت همزةً، فقيل: "حَمراء"، و"صَحْراء"، و"عُشَراء". وهذا مذهبُ سيبويه في هذه الهمزة (١)، وقد تقدّم الكلام عليها في مواضع بما أغنى عن إعادته.

وقد ذهب بعضهم إلى أنَّ الألف الأولى في "حمراء"، و"صفراء" للتأنيث، والثانية مزيدةٌ للفرق بين مؤنثٍ "أَفعَلَ"، نحو: "أحْمَرَ" و"حَمْراءَ"، و"أَصْفَرَ" و"صَفْراءَ"، وبين مؤنّثِ "فَعْلان"، نحو: "سَكرانَ"، و"سَكرَى". وهو قولٌ غير مرضيّ؛ لأنّ عَلم التأنيث لا يكون إلّا طرفًا، ولا يكون حشوًا البتّة. وقولُ من قال: إِنّ الألفَيْن معًا للتأنيث واهٍ أيضًا؛ لعدم النظير؛ لأنّا لا نعلم علامةَ تأنيث على حرفَين. ومن أطلق عليهما ذلك، فقد تَسمّح في العبارة لتلازُمهما.

وأمّا "كِساءٌ" و"رِداءٌ" ونحوهما، فالهمزةُ فيها بدلٌ من ألفٍ، والألفُ بدلٌ من واو أو ياء، وذلك أنّ أصل "كساء": "كساوٌ"، ولامه واوٌ؛ لأنّه "فِعالٌ" من "الكُسْوة"، و"رِداءٌ" أصله "رِدايٌ"؛ لأنّه "فِعالٌ" من قولهم: "فلانٌ حسنُ الرِّدْية". ومثلُه "سِقاءٌ"، و"غِطاءٌ"، فوقعت الواوُ والياء طرفًا بعد ألف زائدة. وفي ذلك مَأخَذان: أحدهما أن لا يُعْتدّ بالألف الزائدة، ويصير حرفُ العلّة كأنّه ولي الفتحةَ، فقلبت ألفًا. والثاني أن يُعتدّ بها، وتتنزّل منزلة الفتحة لزيادتها، وأنّها من جَوْهرها ومَخرجها، فقلبوا حرفَ العلّة بعدها ألفًا، كما يقلبونها مع الفتحة.

والذي يدلّ أنّ الألف عندهم في حكم الفتحة، والياء الزائدة في حكم الكسرة، أنّهم أجروا "فُعالًا" في التكسير مجرى "فَعَلٍ"، فقالوا: "جَوادٌ"، و"أَجْوادٌ"، كما قالوا: "جَبَلٌ" و"أَجْبالٌ"، و"قَلَمٌ" و"أَقْلامٌ"، وأجروا "فَعِيلًا" مجرى "فَعِلٍ" , فقالوا: "يَتِيمٌ" و"أَيْتامٌ"، كما قالوا: "كَتِفٌ" و"أَكتافٌ".

وإذا كانت الألفُ الزائدةُ في حكم الفتحة، فكما قلبوا الواوَ والياء إذا كانتا متحرّكتَين للفتحة قبلهما في نحو: "عَصًا"، و"رَحى"، كذلك تقْلَب في نحو: "كِساء"، و"رِداء" للألف الزائدة قبلها مع ضُعْفها بتطرُّفها، فصار التقدير: "كساا"، و"رداا". فلمَّا التقى الألفان - وهما ساكنان - وجب حذفُ أحدُهما، أو تحريكُه، فكرهوا حذفَ أحدهما؛ لئلّا يعود الممدودُ مقصورًا، ويزول الغرضُ الذي بنوا الكلمة عليه، فحرّكوا الألف الأخيرة لالتقاء الساكنين، فانقلبت همزةً، وصارت "كساءً" و"رداءً"، فالهمزةُ في الحقيقة بدلٌ من الألف، والألفُ بدلٌ من الواو والياء.


(١) الكتاب ٣/ ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>