للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أنّ هذا القلب والإعلال له قيودٌ، منها: أن تكون حركة الواو والياء لازمةً غير عارضة, لأنّ العارض كالمعدوم لا اعتداد به. ألا ترى أنّهم لم يقلبوا نحو: {اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ} (١) و {لَتُبْلَوُنَّ} (٢) , {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ} (٣)؛ لكون الحركة عارضةً لالتقاء الساكنين، كما لم يجز همزُها لانضمامها، كما جاز في "أَثْؤُب" و"أَسْؤُقٍ" جمع "ثَوْبٍ" و"ساقٍ".

ومنها أن لا يلزم من القلب والإعلال لبسٌ. ألا ترى أنّهم قد قالوا في التثنية: "قَضَيَا"، و"رَمَيَا"، و"غَزَوَا"، و"دَعَوَا" فلم يقلبوهما مع تحرّكهما وانفتاحِ ما قبلهما، لأنّهم لو قلبوهما ألفَيْن وبعدهما ألفُ التثنية، لوجب أن تحذف إحداهما لالتقاء الساكنين، فيلتبس الاثنان بالواحد.

وكذلك قالوا: "الغَلَيان"، و"النَّزَوان"، فصحّت الياء والواوُ فيهما مع تحرُّكهما وانفتاحِ ما قبلهما, لأنّهم لو قلبوهما ألفَيْن، وبعدهما ألفُ "فَعَلان"، لوجب حذفُ إحداهما، فيقال: "غَلانٌ"، و"نَزانٌ"، فيلتبس "فَعَلانٌ" معتلّ اللام بـ"فَعال" ممّا لامُه نونٌ، فاحتملوا ثقلَ اجتماع الأشباه والأمثال، إذ ذلك أَيْسَرُ من الوقوع في محظور اللبس والإشكال.

فأمّا "الحَيَدانُ"، و"الجَوَلانُ"، فمحمولٌ على "النَّزَوان"، و"الغَلَيان"؛ لأنّهم لمّا صحّحوا اللام مع ضُعْفها بتطرُّفها؛ كان تصحيحُ العين أوْلى لقوّتها بقُرْبها من الفاء وبُعْدها من الطرف. فأمّا "ماهان"، و"داران" فشاذّ في الاستعمال وإن كان هو القياس.

ومن ذلك نحو: "هَوَى"، و"غَوَى"، و"نَوَى"، و"شَوَى" فإنّهم لم يُعِلّوا العين لاعتلال اللام، فلم يكونوا يجمعون بين إعلالَيْن في كلمة واحدة، وكان إعلالُ اللام أوْلى لتطرُّفها. ومن ذلك قولهم: "عَوِرَ"، و"صَيِدَ البعيرُ" إذا رفع رأسَه، لم يُعِلّوا ذلك؛ لأنّ "عَوِرَ" في معنى "اعْوَرَّ"، و"صَيِدَ" في معنى "اصيَدَ"، فلمّا كان لا بدّ من صحّة العين في "اعْورَّ" و"اصْيَدَّ" لسكون ما قبل الواو والياء فيهما، صحّحوا العين في "عَوِرَ"، و"صَيِدَ"؛ لانّهما في معناهما وكالأصل. وتُحذف الزوائد لضرب من التخفيف، فجُعل صحّةُ العين في "عَوِرَ" و"صَيِدَ" ونحوهما أمارةً على أن معناها "افْعَلَّ"، كما جعلوا التصحيحَ في "مِخْيَطٍ" وبابِه دلالةَ أنّه منتقصٌ من "مِخْياطٍ".

ومثلُ "عَوِرَ"، و"صَيِدَ": "اعْتَوَنُوا" و"اهْتَوَشُوا"، و"اجْتَوَرُوا"، صحّت الواوُ فيها؛ لأنّها بمعنى "تَعاونوا"، و"تَهاوشوا"، و"تَجاوروا"


(١) البقرة: ١٦، ١٧٥.
(٢) آل عمران: ١٨٦.
(٣) البقرة: ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>