للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: إنّما أُبدلت الألف من النون في هذه المواضع لمضارعة النون حروفَ المدّ واللين بما فيها من الغُنّة، وقد تقدّم القول إِنّ الألف تُبْدَل من التنوين في حال النصب. وقد تقدّم في الوقف العلّةُ التي لأجلها جاز إبدالُ هذا التنوين ألفًا. وأمّا السببُ الذي يمنع من التعويض في المرفوع في الوقف واوًا، وفي المجرور ياءً، فلم نُعِدْه ههنا؛ فأمّا إبدالُها من نون التأكيد الخفيفة إذا انفتح ما قبلها، ووقفت عليها، فنحو قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} (١)، إذا وقفت: قلت "لنسْفَعا" وكذلك: "اضْرِبَن زيدًا"، إذا وقفت قلت: "اضرِبَا" قال الأعشى [من الطويل]:

ولا تَعْبُد الشيطانَ واللهَ فاعْبُدَا (٢)

يريد. فاعبدَنْ. وقال الآخر [من الطويل]:

متى تَأتِنا تُلْمِمْ بنا في دِيارنا ... تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا ونارًا تَأجَّجَا (٣)

يريد: تأجّجَنْ، فأبدلها ألفًا. والعلّة في ذلك شَبَهُ النون ههنا بالتنوين في الأسماء ألا ترى أنّهما من حروف المعاني، ومحلُّهما آخِرُ الكلمة، وهي خفيّة ضعيفة، وقبلها فتحةٌ، فأبدل منها الألف كما أبدل من التنوين. وقد قيل في قول امرئ القيس [من الطويل]:

قِفا نَبْكِ من ذِكرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ (٤)

أراد: "قِفَنْ"، ونظائرُ ذلك كثيرة.

وأمّا "إذَنْ" التي للجزاء، فإنّ نونها وإن كانت غير زائدة، فإنّها تُبْدَل في الوقف ألفًا لسكونها وانفتاحِ ما قبلها, ولا يلزم ذلك في "أنْ" و"عَنْ" و"لَنْ"؛ لأنّ البدل في "إذَنْ" إنّما كان مع ما ذكرتُه من سكونها وانفتاح ما قبلها، من قِبَل مشابَهتها نفسها الاسمَ والفعلَ. ألا ترى أنها تُلْغَى في قولهم: "أَنَا إذًا أُكْرِمُك". ولا تُعْمِلها كما يُلْغَى الفعل في قولهم: "ما كان أَحْسَنَ زيدًا"، والاسمُ في قولهم: "كان زيدٌ هو العاقلَ". ويقع آخِرًا غيرَ متّصل بالفعل، كقولك: "أنا أُكرِمُك إذَنْ". فلمّا أشبهت الاسمَ والفعلَ، أُبدلت من نونها الألفُ في الوقف، كما أبدلت في "رأيت رجلًا"، و"لتَسَفْعَا". فإن قيل: إذا كنتم إنّما أبدلتم من نون "إذًا" في الوقف ألفًا لشَبَهها بالاسم والفعل، فهلاّ أبدلتم من النون الأصليّة في الاسم، نحو: "حَسَنٍ"، و"قَطَنٍ"، فكمْت تقول؟ "حَسا" و"قَطا"، قيل: القلب إنّما كان لشَبَه هذه النون بالتنوين ونون التأكيد، ونونُ "حَسَن" و"قَطَن" متحرّكة، فقويت بالحركة، وقَلْبُ التنوين والنون الخفيفة لأنّهما ساكنان، فاعرفه.


(١) العلق: ١٥.
(٢) تقدم بالرقم ٢٧٦.
(٣) تقدم بالرقم ٩٩٢.
(٤) تقدم بالرقم ٣٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>