للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا "قِيامٌ" و"انقِيادٌ"، فإنّما اعتلّت العين فيهما مع انكسارِ ما قبلها لاعتلال فعلَيهما, ولولا ذلك لمِ يجب الاعتلالُ لتحرُّك الواو، ووقوعِها حشوًا، ألا ترى أنّه لمّا صحّت العين في "لَاوَذ"، صحّت في "لِواذٍ" من قوله تعالى: {يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} (١)، فكذلك لمّا اعتلّت في "قَامَ"، وجب اعتلالُها في "قِيام". وكذلك "انْقِيادٌ" اعتلّت العين في المصدر لاعتلال العين في "انْقادَ". وكذلك "ثِيابٌ" و"حِياضٌ" أصلُ الياء فيهما الواوُ؛ لأنّ الواحد "حَوْضٌ" و"ثَوْبٌ"، فأشبهت لسكونها الألفَ في "دار"، فكما تقول: "دِيارٌ"، كذلك تقول: "ثِيابٌ" و"حِياضٌ". وإنّما اعتلّت في "دِيارٍ" لاعتلالها في "دار". قال ابن جِنِّي: إنما قُلبت الواو في نحو: "حِياض" لأمور خمسة، منها أنّ واو الواحد فيها ضعيفةٌ ساكنةٌ، ومنها أنّ قبل الواو كسرةً, لأنّ الأصل "ثِوابٌ" و"حِواض"، ومنها أنّ بعد الواو ألفًا، والألفُ قريبة الشَّبَه بالياء، ومنها أنّ اللام صحيحة غيرُ معتلّة، والجيّد أن تكون هذه الأمور مأخوذةً في الشَّبَه بـ "دارٍ" و"دِيارٍ", ولذلك لم يُعِلّوا نحو: "طِوالٍ" لتحرُّك الواو في نحو: "طَوِيلٍ"، ولم يُعِلّوا نحو "عَوْد"، و"عِوَدَة"، و"زَوْج"، و"زِوَجَة"؛ لأنّ الجمع ليس علي بناء "فِعال" كـ "دِيار", ولم يعلّوا نحو: "طِواء" و"رِواءٍ"، في جمع "طَيّان" و"رَيّانَ"، لاعتلال لامه، فاعرفه.

وأمّا "سَيِّدٌ" و"لَيَّةٌ"، فأصلُ "سيّد": "سَيْوِدٌ" "فَيْعِلٌ" من "سادَ يَسُودُ"، وأصل "لَيَّةٍ": "لَوْيَةٌ" "فَعْلَةُ" من "لَوَى يَدَه" و"لوى غَرِيمَه" إذا مطله، فاجتمعت الواو والياء، وهما بمنزلةِ ما تَدانت مخارجُه، وهما مشتركان في المدّ واللين، والأولى منهما ساكنةٌ، فقُلبت الواو ياءً، ثم ادُّغمت الياء في الياء؛ لأنّ الواو تُقلَب إلى الياء، ولا تقلب الياء إلى الواو، لأنّ الياء أخفُّ، والادّغام نقلُ الأثقل إلى الأخفّ، وقد استقصيتُ هذا الموضعَ في "شرح المُلوكيّ".

وأمّا "أَغْزَيْتُ" و"اسْتَغزَيتُ"، فالياء فيهما بدلٌ من الواو, لأنّه من "الغَزو"، وإنّما قُلبت ياءً لوقوعها رابعةً، وإنّما فعلوا ذلك حملًا على المضارع، نحو: "يُغزِي" و"يَسْتَغْزِي". وإنما قلبوها في المضارع لانكسار ما قبلها، وذلك مَقيِسٌ مطّردٌ.

وقد أبدلوا الياء من الواو، إذا وقعت الكسرة قبل الواو وإن تراخت عنها بحرفٍ ساكنٍ, لأنّ الساكن لضُعْفه ليس حاجزًا قويًّا، فلم يُعتدُّ حاجزًا، فصارت الكسرة كأنّها باشرتِ الواوَ، وذلك قولهم: "صِبْيَةٌ" و"صبيانٌ"، والأصل "صِبْوَةٌ" و"صِبوانٌ"؛ لأنّه من "صَبَوْت أَصْبُو"، فقُلبت الواو ياءً لكسرة الصاد قبلها, ولم تفصل الباء بينهما لضعفها بالسكون. وربّما قالوا: "صِبوانٌ"، فأخرجوها على الأصل. وقد قال بعضهم: "صُبْيانٌ" بضمّ الصاد مع الياء، وذلك أنّه ضمّ الصادَ مع الياء، وذلك أنَّه ضمّ الصادَ بعد أن قلبت الواو ياءً في لغةِ مَن كسر، فأُقرّت الياء على حالها.


(١) النور: ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>