للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا قوله تعالى: {وسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} (١) و {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ} (٢) فـ "محياهم" مبتدأٌ، و"مماتهم" عَطْفٌ عليه، و "سواءٌ" خبرٌ مقدَّمٌ. وإنّما وُحِّدَ الخبر هاهنا والمُخْبَرُ عنه اثنان لوجهين: أحدهما أن "سواء" مصدرٌ في معنى اسم الفاعل في تأويل مُسْتَوٍ، والمصدر لا يثنَّى ولا يُجْمَع، بل يُعبَّر بلفظةِ الواحد عن التثنية والجمع، فيقال: "هذا عَدلٌ"، و"هذان عدلٌ"، و"هؤلاء عدلٌ"، فكذلك هاهنا. والوجه الآخر أن يكون أراد التقديمَ والتأخير، كأنّه قال: "محياهم سواءٌ ومماتُهم"، كما قال [من الطويل]:

١٣٣ - [فمنْ يكُ أَمْسَى بالمدينةِ رحلُه] ... فإني وقَيّارٌ بها لَغَرِيبُ

أراد: فإني لغريبٌ بها وقيّارٌ، وكذلك قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} الفعل هاهنا في تأويل المصدر، والمعنى: سواءٌ عليهم الإنذار وعدم الإنذار، فـ "الإِنذار" وما عطف عليه مبتدأ في المعنى، و"سواءٌ" الخبرُ، وقد تقدّم: و"سواءٌ" مصدرٌ في معنى اسم الفاعل، والتقدير: مستَوِيان على ما تقدّم، ألا ترى أنّ موضع الفائدة الخبرُ، والشكُّ إنّما وقع في استواءِ الإنذار وعدمه، لا في نفس الإنذار وعدمه، ولفظُ


(١) البقرة: ٦.
(٢) الجاثية: ٢١.
١٣٣ - التخريج: البيت لضابىء بن الحارث البرجمي في الأصمعيّات ص ١٨٤؛ والإنصاف ص ٩٤؛ وتخليص الشواهد ص ٣٨٥؛ وخزانة الأدب ٩/ ٣٢٦، ١٠/ ٣١٢، ٣١٣، ٣٢٠؛ والدرر ٦/ ١٨٢؛ وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣٦٩؛ وشرح التصريح ١/ ٢٢٨؛ وشرح شواهد المغني ص ٨٦٧؛ والشعر والشعراء ص ٣٥٨؛ والكتاب ١/ ٧٥؛ ولسان العرب ٥/ ١٢٥ (قير)؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ١/ ١٠٣؛ ورصف المباني ص ٢٦٧؛ وسرّ صناعة الإعراب ص ٣٧٢؛ وشرح الأشمموني ١/ ١٤٤؛ ومجالس ثعلب ص ٣١٦، ٥٩٨؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٤٤.
اللغة: الرحل: الإقامة. القيّار: هو صاحب القير أي الزفت، وقيل هنا اسم راحتله.
المعنى: إن من كانت إقامته في المدينة كان غريبًا فيها هو وراحلته.
الأعراب: "فمن": الفاء: بحسب ما قبلها، "من": اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. "يك": فعل مضارع ناقص مجزوم لأنّه فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره: هو. "أمسى": فعل ماضٍ ناقص. "بالمدينة": جار ومجرور متعلّقان بخبر "أمسى" المحذوف. "رحله": اسم "أمسى" مرفوع، وهو مضاف، والهاء: ضمير متصل مبنيّ في محلّ جرّ بالإضافة. "فإني": الفاء: رابطة لجواب الشرط، "إني": حرف مشبه بالفعل، والياء: ضمير في محلّ نصب اسم "إنّ". "وقيار": الواو: حرف اعتراض، "قيّار": مبتدأ مرفوع بالضمّة خبره محذوف. "بها": جار ومجرور متعلّقان بـ "غريب". "لغريب": اللام: المزحلقة، أو الابتدائية، "غريب": خبر "إنّ" مرفوع بالضمّة، وخبر "قيار" محذوف.
وجملة "من يك ... ": بحسب ما قبلها. وجملة "يك ... ": في محلّ رفع خبر المبتدأ "من". وجملة "أمسى بالمدينة رحله": في محل نصب خبر "يك". وجملة "إني لغريب": في محلّ جزم جواب الشرط. وجملة "قيار ... ": اعتراضية لا محل لها من الإعراب.
والشاهد فيه: تأخير خبر "إنّ"، وهو "غريب"، والتقدير: فإنّي لغريب بها وقَيّارٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>