للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشارح: قد أُبدلت الياء من حروف صالحةِ العدة على سبيل الشذوذ، ولا يقاس عليه، ونحن نسوق الكلام على حسب ما ذكره. من ذلك قولهم: "أَمْلَيْتُ الكتابَ"، قال الله تعالى: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (١)، والأصل: "أَمْلَلتُ". وقال الله تعالى: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} (٢). والوجهُ أنّهما لغتان, لأنّ تصرُّفهما واحدٌ، تقول: "أَمْلَى الكتابَ يُمْلِيه إمْلاءً، و"أمَلَّهُ يُمِلُّهُ إمْلالًا"، فليس جعلُ أحدهما أصلاً والآخر فرعًا بأولى من العكس، وقالوا: "قَضيتُ أَطفارِي" حكاه ابن السِّكيت في "قصّصتُ"، أبدلوا من الصاد الثالثة ياء لثقل التضعيف، ويجوز أن يكون المراد "تَقَصَّيْتُ أظفاري" , أي: أتيتُ على أقاصيها, لأنّ المأخوذ أطرافها، وطرفُ كلّ شيء أقصاه.

وقالوا: "لا وَرَبِيك لا أفعلُ" يريدون: "لا وَرَبَّك"، فأبدلوا من الباء الثانية ياءً لثقل التضعيف. وقالوا: "تَسَرَّيتُ"، وأصله "تَسَرَّرْتُ" "تَفَعَّلْتُ" من "السَّرْ"، وهو "النَّكاح"، وسُمّي النكاح سِرًّا، لأنّ من أراده استتر واستخفى، و"سُرِّيَّةَ": فُعْلِيَّةُ منه، فأبدلوا من الراء الثالثة الياء للتضعيف. وقال أبو الحسن: هو فُعْلِيَّةُ من "السرور"، وذلك أنّ صاحبها يُسَرّ بها.

وقالوا: "تَظَنَّيْتُ"، وأصله "تَظَنَّنْتُ"، و"التظَنِّي": إعمالِ الظنّ، وأصله "التَّظَنُّن"، فأبدلوا من إحدى نوناته الياء لثقل التضعيف، وقالوا في قوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} (٣): أصله لم يَتَسَنَّنْ، من قوله تعالى. {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (٤)، أي: متغيَّر، فأبدل من النون الثالثة ياءً، ثم قلبها ألفًا لتحرُّكها وانفتاحِ ما قبلها، فصار "يَتَسَنَّى"، ثمّ حذف الألف للجزم، فصار اللفظ: "لم يَتَسَنَّ". هذا قول أبي عمرو، وقيل: هو من "السَّنَة ومعناها أي: لم تُغَيِّرْه السنون بمرورها، وذلك على قول من قال: "سَنَةٌ سَنْواءٌ وسَنَواتٌ". ومن قرأ:


= الحاجب ٣/ ٢١٣؛ وشرح شواهد الشافية ص ٤٤٨؛ ولسان العرب ٢/ ١٢١ (ثلث)؛ وهمع الهوامع ٢/ ١٥٧.
الإعراب: "قد": حرف تحقيق. "مرّ": فعل ماضٍ. "يومان": فاعل مرفوع بالألف لأنّه مثنى. "وهذا": الواو حرف عطف، و"هذا": اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ. "الثالي": بدل أو عطف بيان مرفوع بالضمة المقدّرة على الياء للثقل. "وأنت": الواو حاليّة، و"أنت": ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. "بالهجران": جار ومجرور متعلّقان بـ "تبالي". "لا": نافية. "تبالي": فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبًا تقديره: أنت.
وجملة "قد مرّ يومان": ابتدائيّة لا محل لها من الإعراب. وجملة "وهذا هو الثالي": معطوفة عليها لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "أنت لا تبالي": في محل نصب حال. وجملة "لا تبالي": في محلّ رفع خبر المبتدأ.
والشاهد فيه قوله: "الثالي" حيث أبدلت الياء من الثاء، والأصل "الثالث".
(١) الفرقان: ٥.
(٢) البقرة: ٢٨٢.
(٣) البقرة: ٢٥٩.
(٤) الحجر: ٢٦ - ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>