للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التضعيف، دل على ذلك قولهم في الجمع: "قَرارِيط". فظهورُ الراء دليلٌ على ما قلناه.

وقالوا: "شيراز"، وقالوا في الجمع: "شَرارِيزُ"، و"شَوارِيزُ". فمن قال: "شَرارِيزُ"، كان أصله عنده "شِرّازٌ" كـ "قِرّاطٍ"، ومن قال: "شَوارِيزُ"، كانت الياء عنده مبدلة من الواو الساكنة على حدّ الإبدال في "مِيزان" و"مِيعاد". فإن قيل: فإنّ مثال "فِوْعال" غير موجود، فكيف ساغ حملُ "شيراز" على مثالٍ لا نظيرَ له؟ قيل: عدمُ النظير لا يضُر مع قيام الدليل؛ إمّا إذا وُجد، كان مُؤنِسًا؛ وإمّا أن يتوقف ثبوتُ الحكم مع قيام دليله على وجوده، فلا.

وقالوا: "ديماسٌ" للسجْن وللسَّرَب، ويقال للسرب أيصا: "دَيماس". وقالوا في جمعه: "دَمامِيسُ" و"دَيامِيسُ"، فمن قال: "دماميس"، كانت الياء مبدلة من الميم في الواحد، وكان من قبيل "قِيراط" و"قرَارِيطَ". ومن قال: "دَيامِيسُ" لم تكن مبدلة، وكانت مزيدة للإلحاق بـ "سِرداح"، ولذلك قال سيبويه (١) فيمن قال: "شَواريزُ"، و"دَيامِيسُ".

وقالوا في "اتصَلَت": "ايتَصَلَت"، أبدلوا من التاء الأولى ياء للعلة المذكورة، قال الشاعر [من الرجز]:

قام بها يُنشِدُكل مُنشِدِ ... فايتَصَلَت بِمِثْلِ ضَوْءِ الفَرْقَدِ (٢)

أراد: اتصَلَتْ، فكره التضعيف.

وقالوا: "إِنسانٌ"، و"أَنَاسِيّ"، و"ظَرِبانٌ"، و"ظَرابِيُّ". فأما "أناسِيّ" فأصله: "أناسِين" على حد "سِرْحانٍ"، و"سراحِينَ" فأبدلوا من النون ياء، وادغموا الياء المبدلة من النون في الياء الأولى المبدلة من الألف في "إنسان". وقيل: "أَناسيُّ" ليس بتكسير "إنسان"، وإنما هو جمعُ "إنسِيٍّ" كـ "بُختِي"، و"بَخاتِيّ". وكذلك "ظَرِبانٌ" بفتح الظاء وكسر الراء - وهي دُوَيبة كالهِرة مُنتِنَةٌ، تزعم العربُ أنها إذا فستْ في ثوب أحدهم حين يَصِيدها يَبْلَى الثوبُ، ولا تبلى رائحتُها، وفي المَثَل "فسا بينهم الظربانُ" (٣) إذا تقاطعوا، ويُجمع على "ظَرابِينَ" كـ "سَراحين"، وقالوا: "ظَرابيّ" أبدلوا من النون ياء كما قالوا: "أَناسيُّ". قال الشاعر [من الطويل]:

١٢٩٨ - وهل أَنْتُم إلا ظَرابِيُّ مَذحِجٍ ... تَفاسَى وتَسْتَنشِي بآنفِها الطُّخْمِ


(١) انظر: الكتاب ٣/ ٤٦٠، ٤٦١.
(٢) تقدم بالرقم ١٢٩٠.
(٣) هذا مثل، وقد ورد في ثمار القلوب ص ٤١٨؛ وجمهرة الأمثال ١/ ٢٢١؛ والحيوان ١/ ٢٤٩؛ وخزانة الأدب ٧/ ٤٦٠؛ والدرّة الفاخرة ١/ ٢٠٦؛ ولسان العرب ١/ ٥٧١ (ظرب)؛ والمستقصى ٢/ ١٨٠؛ ومجمع الأمثال ١/ ٢٨٤، ٢/ ٧٤.
أي: تقاطعوا وتفرّقوا. والظّرِبان: دُويبَّة فوق جَرْو الكلب منتنة الرِّيح كثيرة الفسو.
١٢٩٨ - التخريج: البيت بلا نسبة في لسان العرب ١/ ٥٧١ (طرب)، ١٢/ ٣٦٠ (طخم). =

<<  <  ج: ص:  >  >>