للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"دِينار" و"قِيراط" في "دِنّار"، و"قِرّاط"، لا من قبيل "مِيزان" و"مِيعاد"، ولذلك كان من الشاذّ غيرِ المَقيس.

وأمّا "ضُوَيْرِبٌ", فهو تصغير "ضِيرابٍ" مصدر "ضارَبَ"، والياء فيه منقلبة عن ألِف "ضارَبَ" للكسرة قبلها. ومثلُه "قِيتالٌ" في مصدرِ "قاتَلَ". هذا هو الأصل، ومن قال: "ضِرابٌ" و"قِتالٌ"، فإنّه حذف الياء تخفيفًا وللعلم بموضعها. هذا صُغّر هذا المصدر، قيل: "ضُوَيْرِبٌ"، فالواوُ بدلٌ من الياء المبدلة من ألِف "فاعَلَ"، والياء الأخيرةُ بدلٌ من ألف "فِيعال" على حدّها في "سِرْهافٍ".

وأما "بَقْوَى" ونحوه مما هو من الأسماء على "فَعْلَى" معتلَّ اللام، فما كان من ذلك من الياء، فإنّك تقلب ياءه إلى الواو، نحو: "التَّقْوَى"، و"الرَّعْوَى"، و"الشَّرْوَى"، فـ "التَقوى" من "وَقَيْت"، و"البَقوَى" من "بَقِيت" أي: انتظرت، و"الرَعْوَى" من "رَعيْتُ"، و"الشَّرْوى" من "شَرَيْتُ". والصفة تُتْرَك على حالها، نحو: "خَزْيَا"، و"صَدْيَا"، و"ريَّا". ولو كانت "رَيَّا" اسمًا، لقلت: "رَوَّا"، كأئهم فرقوا بين الاسم والصفة.

وإنّما قلبوا الواو إلى الياء ها هنا؛ لأنّ الماء أختُ الواو، وقد غلبت الياء الواوَ في أكثر المواضع من نحو"سَيِّدٍ"، و"مَيِّتٍ"، و"شَوَيْتُه شَيًّا"، و"طَوَيْتُه طَيًّا"، فأرأدوا أن يُعوِّضوا الواو من كثرة دخول الياء عليها، فيكون ذلك كالقِصاص، فقلبوا الياء واوًا ها هنا، وإنّما اختصّوا هذا القلب بالاسم دون الصفة، وذلك لأنّ الواو أثقلُ من الياء، فلمّا عزموا على قلب الأخفّ إلى الأثقل لضرب من الاستحسان، جعلوا ذلك في الأخفّ، لأنّه أعدلُ من أن يجعلوا الأثقل في الأثقل، والأخفُّ هو الاسم، والأثقلُ هو الصفة لمقاربتها الفعلَ، وتضمُّنِها ضميرَ الموصوف.

وأمّا "بُوطِرَ"، فالواو فيه مبدلة من ياء "بَيطَرَ" المزيدةِ للإلحاق بـ "دَحْرَجَ" كـ"سَيْطَرَ"، و"بَيْقَرَ". وإذا أسندتَه إلى المفعول قلت: "سُوطِرَ"، و"بُوطِرَ"، فتصير الياء واوًا للضمّة قبلها وسكونها. وأمّا قولهم: "هذا أمر مَمْضُوٌّ عليه"، فالواو الأخيرة فيه بدلٌ من الياء التي هي لامٌ في "مَضَيْتُ". وكذلك قالوا: "هو أَمورٌ بالمعروف نَهُوٌّ عن المُنْكَر"، وهو من "نَهَيْتُ" و"شربثُ مَشُوًا"، وهو من "مَشَيْتُ"؛ لأنّ المُسْهِل يوجب المَشْيَ، وإنّما أبدلوا الياء واوا؛ لأنّهم أرادوا بناء "الفَعُول"، فكرهوا أن يلتبس ببناء "فَعِيل" لو قيل: "مَشِىٌّ" و"نَهِيٌّ".

وأمّا "جِباوَةٌ"، فهو مصدرُ "جَبَيْتُ الخَراجَ"، والأصل: "جباية"؛ لأنّه من الياء، وإنّما أبدلوا الياء واوا للعفة في "التَّقْوَى"، و"البَقوَى"، وهو تعويض الواو من كثرة دخول الياء عليها.

وأمّا إبدالها من الهمزة في نحو: "جُونَة" و"جُونٍ"، فقد تقدّم شرحُه في تخفيف الهمزة بما أغني عن إعادته، فاعرفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>