للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا "كِلْتَا" في قولهم: "جاءتْني المرأتان كلتاهما"، و"مررت بهما كلتَيْهما"، فمذهبِ سيبويه (١) أنها "فِعْلى" بمنزلة "ذِكرَى"، وأصلها "كِلْوَا"، فأبدلت الواو تاءً فهي عنده اسمٌ مفردٌ يفيد معنى التثنية خِلافًا للكوفيين (٢)، وليس من لفظِ "كُلٍّ" بل من معناه، فقد تقدّم ذلك فيما قبلُ. ومن الياء في نحو: "اتَّسَر"، وهو افْتَعَل من "اليُسْر"، أبدلوا من الياء تاءً كما أبدلوها من الواو في نحو: "اتَّعَدَ"، و"اتزَنَ". ولامًا في "أَسْنَتُوا"، أي: أجدبوا، وهو من لفظ "السَّنَة" على قول من يرى أتى لامها واوٌ، لقولهم: "سَنَةٌ سَنْواءٌ"، و"استأجرتُه مُساناةً". ومنهم من يقول التاء بدل من الواو التي هي لام، ومنهم من يقول: إئها بدل من ياء، وذلك أنّ الواو إذا وقعت رابعة، تنقلب ياءً على حدِّ "أَوْعَيتُ"، و"أَغْزَيتُ"، ثمّ أُبدل من الياء التاء، وهو أقيسُ.

وأمّا "ثِنتانٍ"، فالتاء فيه بدل من الياء، والذي يدلّ أنه من الياء أنه من "ثَنَيْتُ"؛ لأنّ "الاثنَيْن" قد ثُني أحدهما على الآخر، وأصله: "ثَنَيٌ" كـ"قَلَمٍ". يدل على ذلك جَمْعُهم إيّاه على "أَثْنَاءٍ" بمنزلة "أَبْناءٍ" و"آخاءٍ"، فنقلوه من "فعَل" إلىَ "فِعْل"، كما فعلوا ذلك في "بِنْتٍ"، و"أُخْتٍ". فأمّا التاء في "اثْنَتان"، فتاءُ التأنيث بمنزلتها في قولك: "ابْنَتان" تثنيةِ "ابْنَةٍ"، و"ثِنْتان" بمنزلة "بِنْتان". وقد أبدلوها من الياء في "كَيتَ وكَيْتَ"، و"ذَيتَ وذَيْتَ" وأصلهما: "كَيَّةَ"، و"ذَيَّة"، وقد جاء ذلك عن العرب فيما حكاه أبو عُبَيْدة. قالوا: "كان من الأمر كَيَّةَ وكَيَّةَ، وذَيَّةَ وذَيَّةَ"، ثمّ حذفوا تاء التأنيث، وأبدلوا من الياء التي هي لامٌ تاء على سبيل الإلحاق، كما فعلوا ذلك بقولوهم: "بِنْتان"، فقالوا: "كَيْتَ وذَيْتَ". وفيهما ثلاثُ لغات: منهم من يبنيهما على الفتح، فيقول: "كَيْتَ"، و"ذَيْتَ"، ومنهم من يبينهما على الكسر، فيقول: "كَيْتِ" و"ذَيْتِ"، ومنهم من يبنيهما على الضمّ، فيقول: "كَيْتُ"، و"ذَيْتُ". فأمّا "كَيَّةَ" و"ذَيَّةَ"، فليس فيهما مع الهاء إلَّا وجهٌ واحدٌ، وهو البناء على الفتح. وإن قيل فهلاّ قلت: إِن التاء بدل من الواو، وإِنّ أصلَ "كيَّة": "كَيْوَةَ"، فاجتمعت الواوُ والياء، وقُلبت الواو ياءً على حدّ "سَيِّدٍ"، و"مَيِّتٍ"، قيل: لا يجوز؛ لأنّك كنتَ تصير إلى ما لا نظيرَ له في كلامهم، ألا ترى أنه ليس في كلامهم مثلُ "حَيْوَة" ممّا عينُه ياءٌ، ولامُه واوٌ، فاعرفه.

وقد أبدلوا التاء من السين في "سِتٍّ"، وأصله: "سِدْسٌ"؛ لأنّه من التَسْديس، يدلّ على ذلك قولهم في تحقيره: "سُدَيسَةٌ"، لكنّهم قلبوا السين الأخيرة تاءً لِتقرب من الدال التي قبلها، وهي مع ذلك مهموسةٌ كما أن السين مهموسة، فصار التقدير: "سِدْتٌ"، فلمّا


(١) الكتاب ٣/ ٣٦٤.
(٢) انظر المسألة الثانية والستين في كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين". ص ٤٣٩ - ٤٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>