للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: من هُنَا. وقوله: "فَمَهْ" يحتمل أمرَيْن: أحدهما: أن يكون أراد "فَمَا"، والألفُ يُكرَه الوقف عليها لخفائها، فأبدل منها الهاء لتقارُبهما في المَخْرج، والمراد بما أَصْنَعُ أو نحو ذلك، ويجوز أن يكون قوله: "فَمَهْ" زَجْرًا، أي: فمَهْ يا إنسانُ، كأنّه يحْاطب نفسَه، ويزجرها.

وأمّا قولههم: "أَنَه" في الوقف على "أنَ فعلتُ"، فيجوز أن تكون الهاء بدلًا من الألف، وهو الأمثلُ؛ لأنّ الأكثر في الاستعمال إنّما هو"أَنَا" بالألف، والهاء قليلة، ويجوز أن تكون الهاء لبيان حركة النون في "أنَ" كالألف، ولا تكون بدلًا منها.

وقالوا: "حَيَّهَلَهْ"، وهو اسمٌ للفعل، وأصله "حَيَّ هَلَ"، رُكبا كخمسةَ عشرَ، والألفُ في "حَيَّهَلَا" لبيان الحركة والهاء بدل من الألف، وقد تقدّم الكلام عليه مستقصًى في المبنيّات. وأمّا قول امرىء القيس [من المتقارب]:

وقد رابَنى قولُها يا هَنا ... هُ وَيحَكَ ألْحَقْتَ شَرًّا بِشَرْ (١)

فهو ممّا اختصّ به النداء، ولم يستعملوه في غير النداء، كما قالوا: "يا لكاعِ"، و"يا خَباثِ"، ولم يستعملوها في غير النداء. وقد اختلف الناس في هائه الأخيرة، والجيدُ فيها أنّ الهاء بدل من الواو التي هي لام الكلمة في "هَنوك"، و"هَنواتٌ" في قوله [من الطويل]:

على هَنَوات شَأنُها مُتتابِعُ (٢)

كَاَن أصلها "هَناوٌ"، "فَعالٌ" منه، فأُبدلت الواو هاء. وصاحبُ هذا الكتاب يشير إلى أن الواو لمّا وقعت طَرَفًا بعد ألف زائدة، فلبت ألفًا، والهاء بدل من تلك الألف. وذهب أبو زيد إلى أنّ الهاء لحقت بعد الألف للوقف لخفاء الألف كما لحقت في الندْبة من نحو: "وا زيدَاهْ"، وحُرّكت تشبيهًا بالهاء الأصلية. ويُحكى هذا القول أيضًا عن أبي الحسن، والألفُ عندهما بدل من الواو التي هي لامُ الكلمة، وهو قولٌ واهٍ من قِبَل أنّ هاء السكت إنّما تلحق في الوقف، فإذا صرتَ إلى الوصل حذفتها البتّةَ، ولم تُوجَد، لا ساكنةً، ولا متحرّكة، ولذلك رُدّ قولُ المُتنبيّ [من البسيط]:

١٣١٨ - وَا حَرَّ قَلْباهُ مِمَّنْ قَلْبُه شَبِمُ ... ومَن بجِسْمِي وحالي عِنْدَه سَقَمُ


(١) تقدم بالرقم ٩٠.
(٢) تقدم بالرقم ٩٣.
١٣١٨ - التخريج: البيت للمتنبي في ديوانه ٣/ ٨٠؛ وخزانة الأدب ٧/ ٢٧٦؛ وشرح التصريح ٢/ ١٨٣.
اللغة: وا حرّ قلباه: أي واحرّ قلبى. الشبم: البارد.
المعنى: بالحرارة قلبي من حبّ رجل قلبه بارد نحوي، مع أنّي في عرفه سقيم الحال والجسم من شدّة هذا الحبّ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>