للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عثمان: هذا هو الكلام الصحيح. ومن العرب من يُبدِل التاء إلى ما قبلها، فيقول: "اصَّبَرَ يَصَّبِرُ"، و"اضَّرَبَ يَضَّربُ"، وقُرىء {أَن يُصْلِحَا} (١)، كأنّ هؤلاء لما أرادوا تجانُسَ الصوت وتشاكُلَه، قلبوا الحرف الثاني إلى لفظ الأوّل، وادّغموه فيه؛ لأنّه أبلغُ في الموافقة. ومن العرب مَن إذا بنى ممّا فاؤه ظاءٌ معجمةٌ "افْتَعَلَ"، أبدل التاء طاءَ غيرَ معجمة، ثمّ يبدل من الظاء التي هي طاءً لما بينهما من المقاربة، ثمّ يدّغمها في الطاء المبدلة من تاء "افْتَعَل"، فيقول: "اطَّهَرَ حاجتي، واطَّلَمَ"، والأصل: "اظطهر"، و"اظطلم"، ولا يفعلون ذلك مع الصاد والضاد لئلّا يذهب صَفيرُ الصاد، وتَفَشِّي الضادِ بالادّغام. والصحيحُ الأوّل؛ لأنّ المطرد إذا أُريد الادّغام قلبُ الحرف الأوّل إلى لفظ الثاني، فلذلك ضعُف الوجه الثاني, لأنّ فيه قلبَ الثاني إلى لفظ الأول، فإذا الوجهُ الثالث أقْيَسُ من الوجه الثاني وإن كان الثاني أكثر منه. ويُنْشَد بيت زُهَير [من البسيط]:

هو الجَوادُ الذي يُعْطِيك نائِلَهُ ... عَفْوًا ويُظْلَمُ أَحْيانًا فيَظْطَلِمُ

ويُروى: "فيَظّلِمُ"، على حدّ "اصَّبَرَ" على الوجه الثاني، وهو قلبُ الثاني إلى لفظ الأول، وادّغامُ الأول في الثاني، وهو شاذّ في القياس وإن كان كثيرًا في الاستعمال، ويروى: "فيَطَّلِمُ" بالطاء غير المعجمة على الوجه الثالث، ويروى: "فيَنْظَلِمُ" بنون المطاوَعة، نحو: "كَسَرَ، وانكسر".

ولا يجري المنفصلُ في ذلك مجرى المتصل لا تقول في "قَبضْ تِلكَ": "قَبطلْكَ"، ولا "قَبِّطلْكَ"، لعدم لزومه وجوازِ الوقف على الأول. وكذلك "قَبَضْتُ" لا يلزم فيه ذلك, لأنّ التاء ضميرُ الفاعل، وهو اسمٌ قائمٌ بنفسه غيرُ الفعل حقيقةٌ، فلا تقول: "قَبَضْطُ"، ولا "قَبَطُّ". ومن العرب من يُشبِّه هذا التاء بتاء "افتعل"، ويقول:


= عفوًا". "ويظلم": الواو: حرف استئناف، "يظلم": فعل مضارع مبنى للمجهول، ونائب فاعله ضمير مستتر تقديره: "هو". "أحيانًا": ظرف زمان منصوب، متعلّق بـ "يظلم". "فيظلم": الفاء: حرف عطف، "يظلم": فعل مضارع مرفوع بالضمة، وفاعله: هو.
وجملة "هو الجواد": ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يعطيك ... ": صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يظلم": استئنافية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "يظلم": معطوفة على سابقتها.
والشاهد فيه قوله: "يظلم" وأصله "يظتلم"، فالظاء فاء الكلمة، والتاء بعدها زائدة، وهي تاء الافتعال، فقلبت التاء طاء، فصارت "يظطلم" ومن العرب من يقلب الظاء إلى طاء، فيجتمع طاءان متجاورتان فتدغم إحداهما في الأخرى فتصير: "فيطلم" ومنهم من يقلب الطاء ظاء فتصير "يظلم".
(١) النساء: ١٢٨. وهي قراءة عاصم الجحدريّ وعثمان.
انظر: تفسير القرطبي ٥/ ٤٠٤؛ والمحتسب ١/ ٢٠١؛ ومعجم القراءات القرآنية ٢/ ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>